الدكتور عديل الشرمان
كلام نظري جميل ومفردات وتحليلات تناولها عديد من أصحاب الخبرة والرأي تطابقت وتشابهت في الشكل والمضمون، وجميعها أجمعت على أن هذه الخطوة التي حملها التوجيه الملكي لها الأثر البالغ وانعكاساتها الإيجابية على التنسيق بين الأجهزة الأمنية المندمجة، وتوفير النفقات، وتقديم خدمات على نحو افضل، وتحسين جودة الأداء الأمني، والاستغلال الأمثل للموارد، وكلها تشكل اهداف وغايات تسعى عملية الدمج إلى تحقيقها، لكنها لا تشكل هما يشغل أذهان قيادة الجهاز في الوقت الحالي، وانما البحث عن المسارات والطرق الصحيحة التي توصل إلى هذه الأهداف هو ما يشغل بال قيادة الجهاز، ويتطلب فكرا وامعانا ومراجعة دقيقة واعية وشاملة لكل المعطيات التي من شأنها تحقيق الغايات والتقدم خطوات نحو الإصلاح والتطوير.
الكلام النظري سهل لكن ترجمته وتطبيقه على أرض الواقع يتطلب رؤية معمقة ودراسة مستفيضة تأخذ بعين الاعتبار اختلاف بعض الادوار والواجبات ومراعاة خصوصية كل جهاز، وتباين الصورة الذهنية لكل مجال من مجالات العمل المتعددة، واختلاف درجة الجهد المبذول بين قطاعات العمل المختلفة وأثر ذلك على الحالة النفسية والمعنوية لدى الأفراد وضباط الصف، تلك الحالة التي تشكل واحدة من المخرجات المرتبطة بالطموحات والرغبات الفردية، وما يترتب عليها من ضغط شديد على المسؤولين وقيادة الجهاز لاحقا.
العديد من الأسئلة والحسابات تدور في أذهان قادة الجهاز وهم يسابقون الزمن لترجمة التوجيهات الملكية، خاصة وأن فصل هذه الأجهزة الثلاثة خلال العقود الماضية لم ينطلق من فراغ وكانت له مبرراته وضروراته، وكانت في حينها خطوة حكيمة وجريئة وضرورية في نظر الكثيرين والمحللين، وهو نفس الوصف الذي نطلقه الآن على عملية الدمج.
توحيد المظلات والمرجعيات تحت قيادة ومظلة واحدة والإبقاء على خصوصية كل جهاز، أم دمج الأجهزة الثلاثة، التوحيد قد لا يستغرق اسابيع أو أشهر، لأنه سيكون مقصورا على عدد من الإدارات وفي بعض جوانب العمل، وتغيير واستحداث لمسميات وقد لا يؤثر كثيرا في الهدف المتمثل بتحقيق الوفر المالي رغم أن هذا الهدف من وجهة نظري أحد أهم الأسباب التي دفعت باتجاه هذا القرار وأحد متطلبات المرحلة، لكن الدمج يعني الخلط وإدخال شيء بآخر، فالدمج بمعناه الحقيقي وإن كان ممكنا فإنه يعد عملية صعبة ومعقدة وتحتاج إلى سنوات، خاصة وأنها عملية مرتبطة بالتغير الفكري اكثر من ارتباطها بالتغير التقني والهياكل التنظيمية، وتنعكس اثارها بوضوح في تحقيق وفر مالي لخزينة الدولة، .
يتساءل البعض عن مكونات المركز الأمني، وكيف ستصبح عليه هذه المكونات، وهل ستعتبر بديلا لمراكز الدفاع المدني مثلا، وهل ستكون قيادات أمن الأقاليم ومديريات الشرطة بديلا لمديريات الدرك والدفاع المدني على مستوى المحافظات والاقاليم ومندمجة فيها، وماذا عن خصوصية التدريب، فهل سنجد رجل أمن مدرب على عمليات الإسعاف والانقاذ والاطفاء، وهل سنجد رجل الدفاع المدني مدربا على عمليات التحقيق والمطاردة مثلا، وهل هذا سيجعلنا أمام الحاجة الى سياسات تدريبية مختلفة، وتصنيفات أو صنوف جديدة على غرار ما هو في القوات المسلحة، وبالتالي تغيير جذري في الهيكل التنظيمي للأمن العام، وذلك هو الخلط الحاصل في أذهان قادة الجهاز، وتلك هي ما يدور في أذهانهم من ورش عمل ودوامة مستمرة من التفكير، وأنا على ثقة تامة بأن جهاز الأمن العام بمكوناته الثلاثة يضم كفاءات وخبرات وعقول قادرة على اجتياز المرحلة بنجاح كبير، وفي كل الأحوال لا يجب أن يكون الدمج هو الهدف والغاية الوحيدة التي نسعى إليها وانما النظر بعين ثاقبة إلى ما قد يترتب عليها من إيجابيات.