يُشكل قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2022، فرصة تاريخية أمام المرأة ويُضاعف فرصها التمكينية من أجل تعزيز حضورها في الحياة السياسية، وعلى رأسها المشاركة في الساحة البرلمانية. وجاء قانون الانتخاب، بعد أن مرّ ضمن القنوات التشريعية المتبعة، نتاجًا لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي شكلّها جلالة الملك عبدالله الثاني بالتزامن مع دخول الدولة الأردنية المئوية الثانية من عمرها، بهدف تطوير المنظومة السياسية وصولاً لحياة برلمانية وحزبية تناسب الأردنيين والمسيرة الديمقراطية للمملكة. وتصدر قانونا الانتخاب والأحزاب السياسية، والتعديلات الدستورية المتصلة حكمًا بالقانونين وآليات العمل النيابي، تلك المخرجات الرامية إلى تهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة. ورفع قانون الانتخاب 2022، المقاعد المُخصصة للمرأة على مسار “الكوتا” لتصل إلى 18 مقعدًا على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية الـ18، التي حددها القانون، إضافة إلى دائرة انتخابية عامة واحدة على مستوى المملكة، وذلك بدلًا عن 15 مقعدًا خُصصت للمرأة في انتخابات 2020، وانتخابات 2016، التي جرت بموجب قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 6 لعام 2016. ويرى مختصون ومراقبون أن فرص المرأة في المشاركة السياسية تضاعفت في ظل قانون انتخاب 2022، مرجحين أن تصل نسبة التمثيل الكمي للمرأة في مجلس النواب المُقبل إلى ضعف ما تحصلت عليه في مجلس النواب الـ19، إذ تستطيع المرأة أن تتحصل حصة أكبر بالتأكيد من خلال القائمة العامة، إلى جانب الـ18 مقعدًا المُخصصة لها على مستوى الدوائر المحلية. ويؤكدون في حديثهم أن البيئة التشريعية وفرت للمرأة التمكين والفرص المتساوية، وهو ما يضع الكرة بملعب المرأة المدعوة إلى أخذ زمام المبادرة والاندماج في الأحزاب، الأمر الذي يفتح أمامها فرصًا أكبر تمكنها من المشاركة السياسية الفاعلة. * فرصة تاريخية ويقول العين الدكتور خالد الكلالدة إن القانون فتح آفاقًا كبيرة أمام المرأة للمشاركة في الحياة السياسية، إذ لم يكتف القانون بتخصيص 18 مقعدًا للمرأة من أصل 97 مقعدًا خصصها للدوائر المحلية، بل فتح المجال أمامها للترشح على المسار التنافسي، إلى جانب “الكوتا”، وهو ما يُعزز الفرصة التنافسية للمرأة. وعلى صعيد الدائرة العامة، المُخصص لها 41 مقعدًا، خصص القانون وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المقاعد الثلاثة الأوائل، وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التاليين، وذلك شريطة أن يكون عدد مرشحي القائمة العامة موزعين على ما لا يقل عن نصف الدوائر المحلية بالحد الأدنى، ما يعني أن لا يقل عن 9 مرشحين على اعتبار الدوائر المحلية الواقعة في 18 دائرة، وأن لا يزيد على عدد المقاعد المخصصة للدائرة العامة والبالغة 41 مقعدًا. ويُوضح الكلالدة، الذي قاد الهيئة المستقلة للانتخاب لمدة 6 أعوام سابقة، رئيسًا لمجلس مفوضيها، أن تلك الاشتراطات تفتح بابًا أخر أمام المرأة، إذ أن وجودها مرتين في أول 6 مرشحين حسب الترتيب في القائمة العامة يُعزز من فرصها في الوصول إلى مجلس النواب، لافتا إلى وجود فرصة أخرى تتوفر أمام المرأة الشابة للاندماج في الحياة السياسية، وتكمن باشتراط القانون على وجود شاب أو شابة يقل عمره عن 35 عامًا ضمن أول 5 مترشحين في القائمة العامة، إلى جانب أن القانون خفض سن الترشح إلى 25 عامًا بدلًا من 30 عامًا في السابق. ويشير الكلالدة إلى أن وجود المرأة مرتين في المقاعد الستة الأولى للقائمة العامة، إلى جانب وجود شاب أو شابة ضمن أول 5 مترشحين لذات القائمة، يحتاج إلى تفسير فيما يتعلق بأن تحسب الشابة الأقل من 35 عامًا على المقعد المخصص للشباب والمرأة معًا، مؤكدًا أن المنطق يكمن في احتساب كل واحد على حدة، أي أن تضم القائمة امرأتين في مقاعدها الـ6 الأولى بعيدًا عن مقعد الشباب، الذي من الممكن أن يكون لشابة. ويؤكد أن المرأة الأردنية باتت أمام فرصة تاريخية في الوقت الراهن، بعد أن كان انتخاب المرأة محظورا في السابق، بسبب اقتصار الترشح على الذكور فقط، إلى أن تم تعديل القانون في عام 1974 ليشمل الذكور والإناث. ويشير إلى أن الدور السياسي للمرأة ينمو بشكل متسارع وهو ما يدعوها إلى الاستفادة من فرصها الراهنة وتوظيف مختلف إمكانياتها وقدراتها عبر مشاركاتها ومساهماتها في الحياة السياسية، إلى جانب مختلف المجالات الحياتية الأخرى، مبينا أن مجلس النواب يمكن أن يكون كاملًا من النساء لكن يستحيل أن يكون من الرجال فقط، وهو أمر كان موجودًا في قانون 2016، وتعزز في قانون 2022. * نساء حزبيات بدورها، تقول النائب السابق الدكتورة ديمة طهبوب، إن قانون الانتخاب الجديد لم يكتف بالمحافظة على مقاعد المرأة المخصصة على مسار “الكوتا”، بل زادها لتكون على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية وليس على مستوى المحافظة، ولا سيما أن في بعض المحافظات مثل محافظة العاصمة عمان فيها 3 دوائر انتخابية وإربد فيها دائرتان، معتبرة أن ذلك يمثل أمرًا إيجابيًا يرفع من حجم تواجد المرأة تحت القبة. وتشير إلى أن القوائم الانتخابية المحلية ممكن أن تتشكل في ظل القانون الجديد من النساء بشكل كامل، وهو ما عزز فرص المرأة في المشاركة السياسية، مبينة أن تلك الفرص تعاظمت بعد أن أتاح القانون الجديد الفرصة أمام المرأة لدخول المضمار الانتخابي عبر بوابة المسار التنافسي إلى جانب مسار “الكوتا”. وتوضح طهبوب، التي كانت أحد أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أن تخفيض سن الترشح إلى 25 عامًا وتمكين النساء كانت أبرز مقترحات اللجنة في مسودة القانون، بهدف دمج الفئات الشابة، التي تعد الأكبر حجمًا من فئات المجتمع الأردني، لافتًا إلى أن هذه الفئات قادرة على العطاء وتغيير السياسات بنظرة شبابية. وبينت أن وجود المرأة، بحسب القانون، في القائمة العامة بالمقاعد الستة الأولى على مستوى الترتيب، يعد كذلك من الفرص التمكينية، التي توسع الآفاق أمام المرأة للوصول إلى عدد وازن من النساء إلى البرلمان، موضحة أنه في ظل القانون تظهر أهمية تشجيع النساء إلى الذهاب إلى الأحزاب من أجل إيجاد نساء حزبيات، ليكون لهن دورهن الفاعل في ممارسة العمل الحزبي والبرلماني، وليس فقط أن تكون القوائم الحزبية جسرًا لهن للدخول إلى قبة البرلمان. * صورة إيجابية يقول المعني بالشأن الانتخابي المهندس جمال بلعاوي، إن القانون الجديد سيتيح للمرأة الحصول على عدد من المقاعد النيابية الإضافية، التي قد تصل إلى ضعف عدد النواب النساء في مجلس النواب الـ19، إذ أتاح القانون إمكانية وصول المرأة من خلال القوائم الحزبية، الذي حدد أن تكون مرتين في المقاعد الستة الأولى للقائمة العامة. ويوضح أن القانون الجديد نظم آلية تنافس المرأة داخل القوائم في الدوائر المحلية، وذلك من خلال تحديد مسار المشاركة عبر المسار التنافسي إلى جانب “الكوتا”، الأمر الذي سيخلق جوًا إيجابيًا بعيدًا عن ما أسماه بـ”التنافسية السلبية”، التي كانت حاضرة في تطبيق القانون السابق. ويُبين بلعاوي أن مشاركة المرأة كانت تُشكل هاجسًا لدّى مرشحي القائمة الآخرين، وبالذات من قبل المرشح الأقوى داخل القائمة، ما أدى إلى الحجب المُنظم عن المرأة داخل العديد من القوائم، وهو ما أثر على فكرة وجود “الكوتا”. ويُضيف أن القانون الجديد فرض على المترشحات اختيار مسار التنافس الحر أو مسار “الكوتا”، وذلك أثناء فترة الترشح لتنافس المرأة التي تذهب إلى المسار التنافسي جميع المترشحين من الذكور والإناث ضمن نفس القائمة، بينما إذا اختارت مسار “الكوتا” ستقتصر منافستها على داخل “الكوتا” مع المترشحات الأخريات في القوائم المحلية المختلفة. ويؤكد بلعاوي أن القانون سينعكس بشكل ملحوظ وإيجابي على مستوى الزيادة العددية للمرأة في مجلس النواب الـ20، معربًا عن أمله أن تنعكس تلك الزيادة العددية على إيجاد أثر نوعي أكبر للمرأة على مستوى التشريع والرقابة داخل قبة البرلمان. ويلفت إلى أن قانون 2022 يُشجع المرأة على رفع مستوى مشاركتها بالحياة السياسية والعامة، وذلك بحكم حاجة الأحزاب والقوائم في المرحلة المُقبلة لوجود نساء ذوات حضور قوي في المجتمعات المحلية وعلى الصعيد الوطني. ويذكر بلعاوي أنه في ظل تطبيق القانون الجديد من المؤكد أن يتضاعف التمثيل الكمي داخل البرلمان، ما يعطي مؤشرًا إيجابيًا عن الدولة ويعكس صورة أكثر حضارية أمام العالم أجمع، ما يؤكد أن الدولة تؤمن بالمرأة وإمكانياتها على إحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات، وقدرتها على تبوؤ مراكز قيادية في مختلف مناحي الحياة وعلى رأسها السياسية. * مصدر قوة من جهتها، تحدثت رئيسة وحدة تمكين المرأة في الهيئة المستقلة للانتخاب سمر الطراونة، حوّل البيئة التشريعية الداعمة لتمكين المرأة، وعلى رأسها التعديلات الدستورية الأخيرة، التي تصدرها إضافة كلمة الأردنيات إلى الفصل الثاني من الدستور. وتبين أن المادة (6/6) من الدستور، التي تنص على “تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز”، تُشير بشكل صريح إلى حتمية وجوب تمكين المرأة من قبل الدولة. وتشير الطراونة إلى أن قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين، حيث فتح الأول للمرأة فرصتين على مستوى الدائرة المحلية، التي تعتمد نظام القائمة النسبية المفتوحة، والأخرى العامة، التي تعتمد نظام القائمة النسبية المُغلقة، منوهة إلى وجود فرص إضافية يوفرها قانون الانتخاب عبر بنوده المختلفة. وتؤكد أنه على مستوى الدائرة المحلية رفع القانون عدد المقاعد المخصصة للنساء من 15 إلى 18 مقعدا كحد أدنى، وذلك لأن التقسيم أصبح على مستوى الدائرة الانتخابية وليس المحافظة، وهو ما عزز فرص المرأة لتكون أكثر عدالة. وتضيف الطراونة أن القانون فتح المجال أمام المرأة على مستوى القائمة المفتوحة حرية الاختيار بين مسار “الكوتا” ومسار التنافس، وهو ما يُشجع من يرغبون في خوض المسار الانتخابي، الذهاب إلى المرأة، التي أصبحت مطلوبة ومصدر قوة للقائمة. في حين ألزم القانون، وفقًا للطراونة، القوائم الحزبية عند تشكيلها على وجود امرأة واحدة على الأقل ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل وكذلك ضمن المترشحين الثلاثة التاليين، على مستوى القائمة العامة وهو ما يضمن وجود مقاعد إضافية للمرأة، حسب قولها. وتشير إلى أن قانون الانتخاب ضمن أن تذهب مقاعد المرأة في حال شغورها إلى امرأة، بحسب ما ورد في المادة (58/3) منه، التي تنص على أنه “في حال شغور المقعد المخصص للمرأة على مستوى الدائرة الانتخابية العامة، يتم إشغال هذا المقعد من المترشحة التي تلي المرشحة الفائزة بالقائمة الحزبية نفسها”. وأكدت الطراونة أن القانون كفل ذات الأمر على مستوى الدائرة المحلية، إذ تنص المادة (57/ب) منه على “أنه عند شغور المقعد المخصص للمرأة من على مستوى الدائرة المحلية يتم إشغاله من المترشحة التي تليها بعدد الأصوات من الفئة ذاتها”، الأمر الذي يضمن للمرأة حقها على مستوى التمثيل النيابي. وتلفت إلى وجود فرص إضافية تتوفر للمرأة إذا تصدرت القائمة الحزبية، وهو الأمر المرتبط بثقل المرأة ومكانتها في الأحزاب، المدعوة إلى استقطاب قيادات نسائية تشكل نموذجًا يُحتذى به للشابات للمشاركة السياسية الفاعلة، داعية المرأة الحزبية المطالبة بتمكينها لأن تصل إلى قيادات الحزب، ما يمكنها من حمل قضاياها وإيصالها بالشكل الصحيح، لا أن “تكون مجرد صوت حزبي فقط”، بحد تعبيرها. وتشير إلى أن نسبة الناخبات في سجل الناخبين تتجاوز الـ50 بالمئة، وهو ما اعتبرته محور قوة للمرأة ويعزز من فرصها للتمثيل في حال عززت من نسب ترشحها، التي لا تتعدى عادة الـ20 بالمئة، وهو ما يوجد فرصا مضاعفة للنساء الشابات، إذا ما تفاعلن مع العمل الحزبي وأثبتن قدراتهن وإمكانياتهن على صعيد الساحة الحزبية. وتذكر الطراونة أن البيئة التشريعية وفرت للمرأة التمكين والفرص المتساوية، وهو ما يضع الكرة بملعب المرأة، المدعوة إلى أخذ زمام المبادرة والاندماج في الأحزاب، الأمر الذي يفتح أمامها فرصًا أكبر تمكنها من المشاركة السياسية الفاعلة. (بترا – محمد الشبول) |