بل اعوام أفاق الأردنيون على ارتفاع ارقام الدين العام دون ان يفهموا الاسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع. الرؤساءالمتعاقبون قدموا كشوفا لنسب الارتفاع في عهد حكوماتهم في محاولة لبيان رشاد قراراتهم ومسوغات اقتراضهم. ايا كانت المبررات فقد أشار آخر ثلاثة رؤساء للحكومات الأردنية إلى خدمة الدين العام وخسائر المصفاة وتعويض شركة الكهرباء كأسباب رئيسة لاستمرار ارتفاع الدين.
للخروج من هذا الوضع نادى الجميع بضرورة التحول إلى سياسة الاعتماد على الذات وتبني برنامج الاصلاحات لمالية الدولة فأقر النواب والاعيان قانون الضريبة الجديد واعلنت الحكومة عن سياسات طموحة لترشيد وضبط النفقات ووعد الرئيس ببرنامج للتكافل الاجتماعي يضمن حصول المواطن على خدمات نوعية مقابل الضرائب والرسوم التي يدفعها.
اليوم وبعد مرور عام على إقرار قانون الضريبة واعلان الدولة عن تبنيها لسياسة الاعتماد على الذات ومع تدفق المنح والمساعدات السعودية والالمانية والاوروبية والاميركية والاماراتية يأتي التصريح بارتفاع الدين العام ليصل بمجمله إلى اكثر من 30 مليارا بعد ان كان 28 مليارا في العام الماضي.
ارتفاع حجم الدين العام واستمرار الاقتراض بالرغم من الاصلاحات التي ارهقت جيب المواطن وادخلت اقتصاده في حالة من الركود امور لا يمكن ان تغطي عليها اخبار الاصلاحات ولا جاذبية الحزم والاجراءات التي تقول الحكومة بأنها ستنجزها. معظم ما ورد في الحزم الحكومية بنسخها الاربع اجراءات وممارسات حكومية ادخلت عليها تعديلات طفيفة فالنقل مشكلة تاريخية والتعليم يعاني من مشكلات لا تزينها اوصاف الاحتياجات واعداد المدارس الجديدة والحديث عن الدمج الذي لم يتحقق، كذلك الصحة والاسكان وكل قطاعات الانتاج واجراءات الادارة. على اهمية ما تقوم به الحكومة فإن الاصلاح لا ولن يتحقق ما لم يستند إلى رؤية شاملة وادراك واضح للتداخل والتشابك بين القطاعات.
من يستمع للتصريحات التي يدلي بها الوزراء هذه الايام يشعر بالحيرة والارتباك. وزير التربية والتعليم يتحدث عن كلف التعليم ويعقد المقارنة بين طلاب المدارس الصغيرة حيث ترتفع كلف الطالب لتصل إلى 1380 دينارا مقابل ثلث هذا المبلغ لطلبة المدارس الكبرى. لا افهم دواعي ومسوغات استخراج واعلان هذا الرقم واذا ما كان مقدمة لإغلاق بعض المدارس التي طالما تفاخرنا بأننا أسسناها لتوفير التعليم للأردني اينما كان. في الوقت الذي يعقد فيه معاليه المقارنة بين مدارس المدن والتجمعات السكنية الصغيرة يبدي استعداد الأردن ووزارته لتقديم خدمات التدريب للمعلمين العراقيين.
ومثلما فعل وزير التربية صرحت وزيرة الطاقة بوجود شرط جزائي على الخزينة في حال تم الغاء اتفاقية الغاز من قبل الجانب الأردني. الناس يتساءلون ببراءة حول مدى الحاجة إلى مثل هذا الغاز في بلد تقول وزيرة الطاقه انه يملك فائضا من الكهرباء ومستعد لتزويد الجوار فأي سياسات تلك واي ارتباك يدفع ببلد إلى استيراد ما لا تحتاج فيصبح عبئا لا تعرف كيف تقوم بتصريفه.
في باب تقديم الخدمات الاساسية للمواطن يستغرب الناس حديث الوزراء عن الكلف فالجميع يعرف ان لكل نشاط وجهد كلفة كما يعرف المواطن انه يدفع ومع اشراقة كل شمس صباح اموالا طائلة على هيئة رسوم وجمارك وضرائب وفروق اسعار وغيرها وبمستويات تفوق ما يدفعه اي مواطن في بلد آخر.
سيل الارقام والحزم واخبار المديونية والتضارب بين الاقوال والاجراءات امور تحير المتابع وتستدعي المراجعة لوضعها في سياق يفهمه الناس فمن غير المعقول ان ترتفع المديونية بعد كل هذا الاصلاح ونأتي بالغاز الاسرائيلي في الوقت الذي نبدي استعدادنا لتصدير الطاقة لجيراننا…في المشهد العام قضايا تحتاج إلى تفسير واسئلة تحتاج إلى اجابات.