الامم – أجرى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية، بمناسبة “اليوبيل الفضي” لتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية.
وتحدث سمو ولي العهد في المقابلة، التي بُثت اليوم الأحد، عن فترة الخمسة وعشرين عاما الماضية، وأبرز مواقف الأردن وإنجازاته، وما واجهه من تحديات، وتطلعاته للمستقبل.
وأشار سموه إلى منعة الأردن وقدرته على تخطي ظروف الإقليم المعقدة، وأهمية العلاقات الاستراتيجية التي تتمتع بها المملكة.
وتطرقت المقابلة إلى جملة من المواضيع السياسية والاقتصادية وأبرز التطورات على الساحة الإقليمية.
وتخلل المقابلة زيارة إلى محمية غابات عجلون التابعة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، تناولت الجانب الشخصي لسمو ولي العهد، وعددا من المحاور حول السياحة في الأردن.
وتاليا النص الكامل للمقابلة، التي أجراها الإعلامي طاهر بركة:
العربية: أهلا ومرحبا بكم سمو الأمير. شكرا لثقتكم بقناة العربية، على ذكر اليوبيل الفضي اسمح لنا أن نبدأ بالسنوات الخمس والعشرين الماضية، هذه السنوات لا شك حملت الكثير من التحديات للأردن أولا محليا وإقليميا، وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كيف تنظر إلى تخطي الأردن لكل تلك التحديات؟
سمو ولي العهد: سيدي في البداية أود أن أشكر قناة العربية، وأشكرك على هذه الفرصة.
وبالنسبة لسؤالك عن تجاوز التحديات آخر خمس وعشرين سنة، لأن شعبنا واع ٍ، ومؤسساتنا قوية، ولدينا قيادة تفكر لبعيد. ونحن تاريخيا دولة متزنة، ولا نسمح للانفعال والمزاج بالتأثير على قراراتنا.
وأعلم أن الناس لا يرغبون بسماع الحديث عن التحديات، لكن المهمة آخر 25 سنة، لم تكن سهلة، الربيع العربي وتبعاته، وحروب على حدودنا من كل جهة، كورونا، إرهاب، وأزمات اقتصادية عالمية.. إلى آخر القائمة.
اقتصادنا خسر مليارات الدولارات بسبب انقطاع الغاز المصري وإغلاق الحدود مع سوريا، وفرص أخرى ضاعت؛ بسبب انعدام الاستقرار في الإقليم.
ولكن سيدي عند المقارنة مع الدول الأخرى، لا يوجد دولة مرت بظروف مثل الظروف التي مر بها الأردن، ولأسباب خارجة عن إرادتنا، وتجاوزتها بسلام مثل الأردن.
جلالة الملك، ومن قبله جدي الملك الحسين – رحمه الله – عَمِلا على بناء علاقات مع قادة الدول أساسها الاحترام، ولذلك يُسمع صوت الأردن ولو كان هناك اختلاف في وجهات النظر.
العربية: هذه نقطة مهمة أسمح لي بالتركيز عليها إذا سمحت لأنه يجب أن نضع بمقابلها أن الأردن بعد كل هذه التحديات التي تحدثت عنها سموك، بلد صغير نحبه ونحب شعبه كثيرا وفي قلبنا كبير ولكن بلد صغير المساحة محدود الموارد، بالتالي يجب أن نسأل عن كيفية أو إمكانية استقطاب جلالة الملك عبدالله الثاني العالم إلى جانب الأردن، وأن يكسب هذه المكانة والاحترام له وللأردن لدى العالم؟
سمو ولي العهد: أريد أن أضيف نقطة لسؤالك السابق. السؤال المهم بالنسبة لي اليوم، هو كيف سيكون شكل الخمسة وعشرين سنة القادمة؟ أولويتي أن يكون الأردن أقوى، وأن نعتمد على أنفسنا، وأن يكون لدينا اكتفاء ذاتي.
ضروري أن نقوم بتطوير تعليمنا، وصناعتنا، وأن نروج للسياحة بشكل أفضل، وأن نزيد حجم الاستثمار ونفتح أسواقا جديدة.
ضروري أن يكون في كل مرحلة، واقعية في التخطيط، وتكون لدينا مرونة جميعنا، وأن نتوقع أن تكون هناك أزمات بالمستقبل، لكن يجب أن نحضر أنفسنا لها وأن نكون مستعدين لكل السيناريوهات.
بالنسبة لسؤالك، قد يبدو الذي أريد أن أقوله أمرا بديهيا، لكن جلالة الملك إنسان صادق، وكلامه في الغرف المغلقة ذاته في العلن، لا يغير موقفه، وهذا للأسف بعالم السياسة اليوم صفة نادرة.
شخصية جلالة الملك، محبوبة لأنه ليس شخصا متكلفا أو متصنعا؛ ولذلك يثق به الجميع.
والأهم أنه عندما يتكلم جلالة الملك عن شيء، فهو يقصده، ونصيحته لكل قادة الدول دائما تكون بمكانها.
المريح خلال الأزمات، أن هدوء جلالة الملك وحكمته تنتقل لجميع من حوله، ولا يسمح للانفعال أو التوتر أن يؤثر على قراراته.
العربية: لكن بدون شك كان هناك الكثير من الظروف الصعبة التي اضطر للتعامل معها، جزء من أعباء القيادة، وسموك كنت شاهدا على الكثير منها ولا أعلم إذا تسمح لي بسؤالك عن أبرز هذه الظروف الصعبة التي اضطر الملك للتعامل معها، وأصعب القرارات التي أتخذها بناء عليه؟
سمو ولي العهد: ربما كان يجب أن تسأل جلالة الملك عن أصعب قرار، لكن أي قرار يتخذه أي قائد يحب بلده، يكون قرارا ليس سهلا، لأن هنالك اعتبارات سياسية واستراتيجية.
ومن الممكن أن أقدم مثالا على ذلك، حرب العراق في 2003، حيث كان موقف جلالة الملك، واضحا ضد الحرب، وظل مصرا على رأيه أنها قرار خاطئ وعبثي.
وفي ذلك الحين كان لا بد من أن يوازن الأردن بين علاقات مستقرة وجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ورفض الحرب في الوقت ذاته.
الموقف في حينها كان صعبا، لم يُرض الداخل ولا الخارج، لكنه حمى مصالح الأردنيين المستقبلية.
جلالة الملك كان همه ألا تنطلق أية عمليات عسكرية من الأردن أو عبر المجال الجوي، رغم كل الضغوطات الخارجية الكبيرة.
جلالة الملك كان يستطيع أن يتخذ موقفا عاطفيا لكنه كان قد يتسبب بانجرار بلاده إلى حرب. ونحن بدون حرب ندفع لليوم ثمن ما حصل.
كان قرار جلالته حكيما، ومن يقول إن حياة القائد سهلة، يكون غير واقعي.
العربية: على ذكر الحروب، ذكرت حرب العراق وهذا كان في 2003، ولكن الحروب في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها مستمرة للأسف، وإحدى هذه الحروب الحرب على غزة في هذه الفترة والتي لا تزال مستمرة، كيف يتابع سمو الأمير والعائلة المشاهد المروعة التي تصل من غزة؟
سمو ولي العهد: بغضب وبألم وبصدمة. من جلالة الملك إلى أي شخص في الشارع جميعنا لدينا نفس الشعور.
من غير المعقول أن العالم أجمع ليس قادرا على وقف المأساة التي تحدث! جميعنا مصدومون من عجز العالم أن يوقف هذه المذبحة، والشعوب في منطقتنا فقدت ثقتها بالمجتمع الدولي ومصداقيته وهم على حق.
لغاية اليوم أكثر من 35 ألف شهيد، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال. ما هو الرقم الذي يجب أن نصل له ليتحرك العالم؟ سيدي هذه أرواح أناس وليست فقط أرقاما.
نقوم بعمل كل شيء ضمن قدرتنا لمساعدة أشقائنا، وطبعا لدينا شعور أنه يجب أن نقدم أكثر، وبصراحة لغاية توقف الحرب، على كل دولة أن تشعر بالتقصير.
الأردن يخوض معركة دبلوماسية وسياسية منذ بداية الأزمة، وساعدنا بتغيير مواقف الكثير من الدول تجاه إسرائيل.
القضية الفلسطينية قضيتنا، وبالرغم من الكلف السياسية أو الاقتصادية التي ندفعها، سنستمر بالقيام بدورنا تجاه الشعب الفلسطيني.
وأولويتي أن نحافظ على أمن واستقرار البلاد، لأن الأردن القوي هو القادر على الدفاع عن القضية الفلسطينية، ليكون أكبر سند للشعب الفلسطيني.
اليوم كل تركيزنا على غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية تقوم بتفجير الأوضاع في الضفة الغربية وتحاول جر المنطقة لحرب إقليمية.
وبالعودة لسنة 2023، كان هنالك 500 شهيد في الضفة الغربية، وعند العودة لما قبل “السابع من أكتوبر” كانت الأكثر دموية في آخر عشر سنوات، وأعود لأكرر هذه ليست أرقاما بل أرواح أناس.
العربية: رسائل مهمة جدا في هذه الفترة سمو الأمير أشكرك عليها، وأريد أن أتابع في الموضوع ذاته إذا سمحت لي، انطلاقا من مرحلة ما بعد أحداث “السابع من أكتوبر” بما أنك ذكرتها بالاسم هل لا يزال هناك فرصة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بعد “السابع من أكتوبر”؟
سمو ولي العهد: الحكومة الإسرائيلية تحاول أن تروج للعالم أجمع أن الصراع بدأ في “السابع من أكتوبر”. فلنعد لما قبل “7 أكتوبر”، ولكل خطابات جلالة الملك في آخر خمس وعشرين سنة، وكيف حذر جلالته من أن الاستمرار في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني سيؤدي لكارثة في المنطقة، وانظر لما يجري اليوم.
منذ سنوات وهناك محاولات لتهميش القضية، والناس فقدت ثقتها بالعملية السلمية.
ونحن كعرب منذ سنوات ندعو للسلام، منذ مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية سنة 2002، كان هناك إجماع عربي أن الحل الوحيد هو منح الفلسطينيين حقوقهم وإنهاء الاحتلال مقابل علاقات مع إسرائيل.
منذ 2002 لليوم هل ترى أن إسرائيل تريد سلاما؟ نحن نتعامل مع حكومة تسيطر عليها أجندة متطرفة، فيها وزراء يدعون بالعلن لإبادة الفلسطينيين.
منذ أوسلو لليوم، عدد المستوطنين ارتفع من 200 ألف لأكثر من 700 ألف. هذا لا يحقق سلاما.
السؤال المهم لنا جميعا اليوم: هل الهدف التطبيع لأجل التطبيع؟
في النهاية السلام الحقيقي هو بين الشعوب، وإذا الشعوب لم تقتنع أنه تمت تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، لن تؤمن بالسلام ولن تقبل علاقات طبيعية.
العربية: سمو الأمير من التحديات الكثيرة التي واجهت الأردن في الفترة الأخيرة أيضا موضوع تهريب المخدرات والأسلحة على الحدود مع سوريا، كيف تتعاملون مع هذا الملف من حيث منصبكم وليا للعهد؟
سمو ولي العهد: من الواضح أن الأردن مستهدف. نوعية وكمية المخدرات والمتفجرات التي نضبطها، وطريقة التهريب الممنهجة غير مسبوقة وليست منطقية.
عند ضبط كميات من مادة “تي إن تي” المتفجرة، ونرى الطريقة الهجومية للتهريب، ما معنى ذلك؟ هذا استهداف واضح.
هذه عمليات منظمة لجماعات مسلحة، وواضح أن لديها إمكانيات كبيرة وتستهدف الأمن الوطني الأردني، وتستهدف دول الإقليم، باعتبار أن الأراضي الأردنية بوابة للمنطقة كلها.
المهم أن أي تعدِ على سيادة الأردن مرفوض قطعيا، وسنتصدى له.
العربية: سمو الأمير دعني أبني شيئا ما على السؤال السابق، كيف تنظرون إلى التقارب الأخير بين إيران وبعض الدول العربية؟
سمو ولي العهد: في البداية، رحم الله الرئيس الإيراني وكل من كان على الطائرة العمودية، وعزائي للشعب الإيراني والحكومة الإيرانية.
بالنسبة لسؤالك، نحن في الأردن دائما نطمح لتهدئة كل التوترات في المنطقة، نحن وكل العرب، نريد علاقات طيبة مع إيران، قائمة على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخر.
إذا أردنا أن تكون لدينا هذه العلاقات الصحية، فمن الضروري أن تكون هناك معالجة لكل أسباب التوتر.
هناك حوار أردني – إيراني حول كل القضايا، ونتمنى أن يثمر إن شاء الله، لكن بالنسبة لي، الأولوية ألا يتحول الأردن لساحة حرب إقليمية.
بالنهاية أولويتنا أن نحمي أمننا الوطني، ونحمي سيادتنا واقتصادنا وأن نحمي أمن الناس.
منطقتنا مشبعة بالتوترات، ولسنا بحاجة لمزيد من التأزيم.
العربية: الأردن تحمل الكثير من أعباء هذه الحروب ولو لم تكن على أرضه، مثلا على الأقل موضوع اللاجئين من مختلف الدول المحيطة التي شهدت حروبا ومنهم اللاجئون السوريون أيضا في الأردن، كيف تنظرون إلى مستقبل اللاجئين السوريين في الأردن ولأي مدى تعتقدون سمو الأمير أنه لا تزال هناك فرصة قائمة للعودة الطوعية لهؤلاء اللاجئين؟
سمو ولي العهد: حل قضية اللاجئين هو في عودتهم لوطنهم. وأنا متأكد أن اللاجئين يتمنون العودة لبلادهم. لدينا اتصالات مع عدة جهات، لإيجاد بيئة مناسبة للعودة الطوعية.
يوجد في الأردن أكثر من مليون و300 ألف لاجئ سوري، 50 بالمئة منهم تحت سن 15 سنة.
من في العالم قام بمثل ما فعله الأردنيون الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم لإخوانهم السوريين؟
لكن السنة الماضية لم يتلق الأردن سوى 29 بالمئة من متطلبات الاستجابة للأزمة السورية. عمليا، لن نستطيع أن نقوم بتوفير حياة كريمة من خدمات وغيرها لإخواننا السوريين، إذا لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته.
العربية: موضوع اللاجئين السوريين وتحمل الإخوة لبعضهم البعض هذا مهم وضروري وموجود في الأردن وكل الدول، لكن لم ينعكس بالشكل الكافي تكاملا بين الدول على مر العقود الماضية، إلى أي مدى سمو الأمير تؤمن بفكرة التكامل العربي؟
سمو ولي العهد: نحن كأردنيين دائما جاهزون للعمل مع إخواننا في المنطقة، ومن مصلحة كل العرب أن يكون هناك هذا التقارب، والدولة الأردنية أساسا مشروع عربي بني على فكرة عروبية.
وأعلم أن الوحدة بالجغرافيا وبالقرار فكرة “رومانسية” اليوم، لأن لكل بلد ظروفه وأولوياته، لكن التكامل العربي العملي المبني على تعاون حول قضايا معينة وأهداف مشتركة له منافع كبيرة، أمنية واقتصادية وسياسية على المنطقة ككل، لأنه يعني: أسواقا أكبر، وتأثيرا دوليا أقوى، وتبادلا للخبرات والعقول، وفرصا لشبابنا، ومستقبلا أفضل لمجتمعاتنا.