Site icon صحيفة الأمم اليومية الشاملة

مشقة الوعي بحجم التغيير القادم

لدى الأردنيين أزمات ومشاكل داخلية يومية ومعيشية، اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، مناطقية ومركزية، إدارية ومالية، هذا غير الأزمات السياسية الإقليمية والأخطار المحيطة والاستهدافات اليومية، ولدى الأردنيين أيضا استحقاق انتخابي “نوعي” سيكون هو بحد ذاته عتبة القادم الجديد ونجاحه مرتهن بعنصرين: الوعي الجمعي أولا ثم صدق الأجهزة الرسمية بتحقيق النزاهة كاملة بلا أي شوائب.

الافتراض يقول إن الاستحقاق الانتخابي القادم، لو تحقق جزء بسيط جدا من الوعي مقترنا بنزاهة خالصة فإنه سينتهي بنواة مجلس تشريعي – رقابي يعيد للبرلمان دوره الحقيقي ويعيد إصلاح الدولة الأردنية، مما يعني ببساطة خطوة أولى حقيقية لحل كل الأزمات والمشاكل الداخلية اليومية جميعها.

وهذا الافتراض، مبني على افتراض أكثر عمقا يتعلق بالمترشحين، أفرادا أو تحت مظلة أحزاب، وهو يعني التقدم ببرامج تقترح حلولا واضحة ومحددة بعيدة عن الإنشاء، فحين نواجه مشكلة مثل البطالة فإن الحل لا يكون بشعار “القضاء على البطالة”، بل بدراسات مسبقة ومستفيضة يقوم عليها خبراء من مختلف المستويات تنتهي دراستهم إلى تصور منهجي لسياسات قد تحوي مشاريع قوانين يحملها المترشح “حزبا أو فردا” لتغيير الواقع وبثقة وهدوء.
وحين يعاني الأردنيون من “أزمة مياه” خانقة فعلا، فإن الخزانات الفارغة على الأسطح لن تملأها بيانات شديدة اللهجة رفيعة البلاغة تهاجم المواقف السياسية لبلد محاصر بالأزمات فعليا بدون أن تقدم كل تلك البلاغة النارية حلولا حقيقية لعل أولها تقديم برنامج “حلول” في التوعية المائية لوقف الهدر والفاقد المائي على الأقل.
وحين ترسل الدولة إشاراتها الواضحة أنها لم تعد قادرة على نهج “الريعية” مع تضخم واضح في القطاع العام فإن منطق التعيينات الحكومية كخدمة مرسلة ومطلقة لم يعد له وجود، وحضوره في الوعود الانتخابية كذبة كبيرة لا يمكن تحقيقها، لكن لا أحد يقدم فكرة تحفيز القطاع الخاص، وتهذيبه وتنظيم حضوره من خلال مقترحات لقوانين وتشريعات تخدمه وتحميه كما وتحمي الجميع من تغوله بنفس الوقت، لأن على الأردنيين إدراك التحول الجذري الجديد في الدولة، وهو تحول لا يمكن الرجوع عنه بالمطلق.
الواسطة والمحسوبية وتسهيل المعاملات وسياسة المحاصصة في الامتيازات هي من الماضي، حسب افتراضنا بالقادم الذي يتمنونه الأردنيون أنفسهم، وهم جميعا يصرخون على وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجالس والصالونات من الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتفشي الفساد، ويتندرون كل يوم على المشهد السياسي المحلي والحال البائس الذي وصل إليه مجلس النواب نفسه.
في المقابل، وعشية بدء الحملات الانتخابية، ما زلنا على منطق “عنزة ولو طارت”.
بدأت شوارع المدن الأردنية تتعرض لغزو صور المترشحين “المفلترة بعناية” والموسومة بعبارات عامة ومبهمة لا تقدم حلولا، وبعضهم تطغى صورته على اسم الحزب الذي يفترض أنه يمثله.
لا برامج، أو حتى عناوين واضحة لبرامج حقيقية واعدة تهدي الناخب إلى الجهة التي سيمنحها صوته بثقة وأمل، ما تزال عملية “سحب الأصوات واستجدائها” قائمة على منطق لا يجب أن يكون صالحا للمرحلة القادمة بكل تحدياتها الخطيرة.
في زمن تكنولوجيا المعلومات الذي تستطيع فيه “مي خليفة” أن تستخدم أدواته الرقمية لتوصل رسائلها السياسية إلى كل الكوكب، فإن المشهد السياسي الأردني كان خاليا من برامج وفيديوهات طويلة أو قصيرة تعكس الرؤى والبرامج – إن وجدت- لدى الأحزاب ومشاريع النخب القادمة.
كل ما نراه اليوم، فوضى حواس يملأ الشوارع، وأزمات تنمو وتكبر تبحث عن حلول مبتكرة، لا أكثر، والإنتاج القادم يتحمل مسؤوليته الجميع بلا شك.

الغد

Share and Enjoy !

Shares
Exit mobile version