يتحدث الإيرانيون عن التواجد العسكري الأميركي في الأردن، ودول أخرى، وضرورة إخراج الاميركيين من الأردن، في سياق تهديدات ضمنية لهذه القواعد ردا على اغتيال سليماني.
اللافت في طريقة الإيرانيين بالتعبير عن رد فعلهم نسخ ذات الطريقة العربية التي سمعناها من أنظمة صوتية في فترات مختلفة، من حيث التهديد بحرق العالم، والذي يقرأ التصريحات الإيرانية، يظن أننا امام حرب عالمية رابعة، من شدة التهديدات التي لن تتحول الى واقع بطبيعة الحال، فإيران ذاتها لا تريد حربا لاعتبارات كثيرة، ولا تحتملها حاليا.
أول هذه الاعتبارات التفوق العسكري الأميركي، واذا كانت ايران قوية، فإن الولايات المتحدة القوة الأشد فتكا في العالم، وربما هناك أسلحة لم يتم تجريبها بعد من دولة كانت تمتلك السلاح النووي في الاربعينيات، فما بالنا هذه الأيام، هذا مع وجود تقييمات تقول إن واشنطن لن تقبل أن يتم جرها لحرب جولات وأيام وأسابيع وشهور، بل ستقوم بضربة واحدة اذا اضطرت تؤدي الى انهيار الدولة الإيرانية.
مركز القرار في طهران، أيضا، ليس مستعدا للحرب بمعنى أن المشروع الإيراني في المنطقة ما يزال قيد التأسيس والبناء، وايران تدرك ان واشنطن قد تريد جرها الى حرب من جولة واحدة، تنهي هذا المشروع وهذا ما يتجنبه الإيرانيون، إضافة الى أن إيران تتأثر بحسابات إقليمية تحاول ان تجد صفقة في ظلال هذه المواجهة بين الإيرانيين والأميركيين، بدلا من سيناريو الحرب، ولا بد من الاعتراف أن الإيرانيين تصرفوا بذكاء عبر ردهم الشكلي بقصف قواعد أميركية بشكل غير مدمر، اذ يدركون ان واشنطن تريد جرهم الى المحرقة الكبرى، وهم لا يريدون منحها هذه الفرصة، ويريدون ترك مساحة للتفاهم في الظلال.
الإيرانيون على ذات طريقة اهل منطقتهم، من حيث طريقة صياغة التهديدات، فالكلام في اعلى مستوياته، والواقع مختلف تماما، وليس ادل على ذلك من رسائل التهديد الضمنية للدول التي فيها قواعد أميركية مثل الأردن وغيرها، وهي رسالة تقول ضمنيا أن الأردن قد يكون من بين الأهداف الإيرانية في توقيت ما، هذا على الرغم من أن الإيرانيين لم يستهدفوا الوجود الأميركي في العراق منذ 2003، وكانوا يؤسسون لسيطرتهم على العراق في ظل وجود عسكري أميركي، سكت عليه الإيرانيون، مادام مشروعهم قيد النمو، وهذا يعني محاولة ارباك حلفاء واشنطن، وإثارة ذعرهم من عمليات في بلادهم.
كل هذا لا يعني ان الإيرانيين لن ينتقموا من الاميركيين، لكن دعونا نضع السيناريوهات بشكل متدرج، اذ ان طهران لديها امتداد في سورية والعراق ولبنان، ولديها شبكات امنية في أفغانستان وباكستان، وفي دول افريقية، كما ان لديها تنظيمات عسكرية شيعية في هذه الدول، وتدير تنظيمات عسكرية سنية، عبر اختراقات محددة، وهذا يعني ان تنفيذ عملية عسكرية ضد المصالح الأميركية، امر وارد جدا، لكن لن تكون كلفته على ايران، بل عبر وكيل، اما تنظيم عسكري شيعي في العراق، وهذا امر منخفض الاحتمال، واما عبر تنظيم عسكري سني مثل القاعدة، وفي جهة غير متوقعة، ضد أي مصلحة أميركية، بحيث تكون الخسائر مروعة، ولا يحمل الإيرانيون هذه الكلفة، كونهم لا يريدون فاتورة جديدة.
في هذا التوقيت وبشكل متواز قد يسعى الإيرانيون والأميركيون الى صفقة على خلفية الوضع الحالي، فإيران تريد ان تقول للولايات المتحدة انها قادرة على كل شيء، ولديها امتداد كبير، وان الحل الوصول الى صفقة، وهي صفقة لن تتجنبها الولايات المتحدة، التي لا تريد حربا أيضا، تخوفا على مصالحها ومصالح الحلفاء في المنطقة، وهذه الصفقة ستؤدي الى تقاسم النفوذ العسكري والجغرافي والاقتصادي، في المنطقة، بحيث يتم الاعتراف بإيران كدولة تتبعها دول في المنطقة، فيما يبدو بالمقابل المشروع الإسرائيلي وامتداده أيضا، وكأننا امام خارطة جغرافية اقليمية سياسية جديدة.
حتى الآن لا أحد يريد حربا، لكن المناخ السياسي والعسكري والاقتصادي خلال عام 2020، لن يكون مريحا أبدا، وأسوأ السيناريوهات هو الوصول الى الحرب المفتوحة خصوصا في ظل حسابات الروس والصين وتركيا، والدول العربية، وإسرائيل، واذا كان الكل لا يريد حربا، او يتمنى ان يتم حسم الصراع لصالح طرف ما بسرعة، على طريقة الضربة الأميركية الواحدة والنهائية، إلا أن قدح الشرارة لا يضمن في حالات كثيرة، حجم الحريق، وآثاره.