مؤسسات تتجاهل دور المصور الصحفي وتحاول القفز عن حقوقه
الصورة تفوق قلم المحرر
كتب : حازم الخالدي
المصور الصحفي هو صحفي ، لا يقل مكانة ومهنية وكفاءة عن الصحفي الذي يمتهن الكتابة أو التحريرالصحفي .
هذه الحقيقة يجهلها الكثيرون وخاصة ممن يضع القوانين والتشريعات أو يرتب المهن أو بالاحرى ينقل بنودها حرفيا عن أنظمة غربية، دون أن يعرف طبيعة المهنة وخطورتها والتهديدات التي تواجهها.
حتى أن بعض المسؤولين في المؤسسات الاعلامية يتغافلون عن دور المصور الصحفي ،ويحاولون القفز عن حقوقه وتجاهلها على حساب المحرر أو المندوب الصحفي أو الكاتب، ويتناسون ان المصور الصحفي، كالصحفي يدافع عن الكلمة بالصورة، التي تظهر بكافة تفاصيلها ومضامينها ، فمهما حاول الصحفي ان ينقل الاحداث بالكلمة ، فالمصور الصحفي يلتقط صورته ،ويسرد قصته بموضوعية ،ويقدم الصورة بجمالياتها كما هي، دون أن يتدخل اي طرف بها ..والصورة الجيدة في احيان كثيرة تحكي قصة أفضل من النص الذي يأتي معها، ويمكن أن تفوق قلم المحرر في الاهمية ..
هؤلاء المسؤولون والكثيرون الذين يأتون الى مناصبهم بالواسطة والمحسوبية،ويسقطون أمام المناصب ،ولا يعرفون أبجديات الوظيفة ولا الظروف التي يعمل بها الموظف او الصحفي أو المصور،هؤلاء يجهلون ما يعانيه الصحفي والمصور بالذات من تعب وجهد ومشقة ومعاناة في الميدان حيث تتعدد القصص والتجارب المهنية التي لا يتم دراستها والاخذ بها.
أمامي الكثير من القصص والتجارب التي عشتها في الميدان،وعاشها زملاء المهنة، إذ لا انسى تلك الرحلة إلى العراق عبر الطريق البري، وبعد سقوط بغداد واحتلال العراق 2003 ، بأسبوع ، رافقني بها زميلي المصور الصحفي خليل الجرمي من وكالة الانباء الاردنية …كان العراق يعيش حالة من الفوضى بغياب النظام وانعدام الامن والأمان ،فلم يكن في الشوارع الا الجنود الاميركان ،ولم تكن المقاومة قد اشتعلت بعد.. وكان العراقيون ما يزالون يعيشون أوضاعا صعبة ولم يستوعبوا الصدمة التي جعلت بلدهم محتلا فانقسموا فيما بينهم …في محافظة الانبار حيث افتتح المستشفى الميداني الاردني .كنت وزميلي المصور الجرمي نتجول في الشوارع لالتقاط خبر أو صورة ،فالكثير من المشاهد التي سجلناها وبالذات الاصابات التي لحقت بالاطفال جراء مخلفات الحروب ،فصورة الطفل الذي كان يعبث بقنبلة أو (الرمانة ) بحسب ما كانوا يسمونها العراقيون ما زالت ماثلة امامي،وغيرها من الصور المرعبة عن الحرب.
كانت قد حدثت أمامنا مشاجرة بين مجموعة من العراقيين استخدموا فيها اسلحة متنوعة ، بدأ زميلي المصور يلتقط الصورالتي توثق هذه الحادثة،لم يكن صحفيون في الشارع سوانا فكانت الاعين تتجه الينا… نحو الكاميرا التي تصور.
على الجانب الاخر ذهب شخص الينا محتجا على التصوير فلحق به مجموعة من رفاقة وسحبوا أسلحة كلاشنكوف تجاهنا،حاول زميلي المصور ان يختفي من أمامهم ،فلم يجد الى جواره سوى مركز صحي ليدخل به ،ولحق به المسلحون وهم في حالة غليان ،محتجين على التقاط الصورة، حاولنا انا ومجموعة ان نشكل حاجزا لكي لا يدخلوا الى المركز الصحي ولكن كان لديهم اصرار على سحب الفيلم ،فلم تكن صور(الديجتال ) قد انتشرت..
كنت امامهم وأفاوضهم ولكن كان اتجاههم نحو الكاميرا.. الى الصورة التي توثق الحادثة، كانوا يريدون الصورة معترضين على المشهد الذي يصور العراقيين ،فكان صوتهم يعلو كي تذهب الصحافة وتصور الاميركان لا أن تصورهم مهما بلغت الحوادث لديهم ،قلت لهم ان المصور لم يصور شيئا ،ولكن أرادوا أن يتأكدوا ،ليخرج زميلنا المصور من داخل المركز وفتح كاميرته واخرج الفيلم وفتحه امامهم ليتاكدوا انه لم يلتقط أي صورة لهم ..
انتهت مشكلتهم مع الصورة ولم ينته العنف في شوارعهم،ولكن زميلي المصور عندما دخل الى المركز استبدل الفيلم المصور بفيلم اخر فارغ .فبقيت الصور التي سجلت حالات العنف في الشوارع ماثلة وبقيت في الذاكرة لتسجل بداية العنف في العراق وبعدها بداية المقاومة ضد المحتل .
مع المظاهرات التي تجددت في بغداد ضد عملاء الاحتلال والحكومات الفاسدة قبل يومين، قتل صحفيان منهم مصور،لينضما الى سجل الصحفيين الذين قتلوا دفاعا عن الكلمة والصورة..
هل يدرك هؤلاء أن ما يتعرض له المصور اثناء تغطية الاحداث وبالذات في مناطق النزاع أشد قساوة من أي مناسبة صحفية،فالمصورون إما تجدهم يتعرضون للقتل أو الاصابات أو للاختطاف ،ومنهم من يبقي مصيره مجهولا، إنهم يضعون حياتهم لاظهار حقيقة الحياة…