تصريحات كثيرة أطلقتها شركة الكهرباء الأردنية، تحاول من خلالها إقناع الناس أن الارتفاع الحاصل على قيمة فواتير الكهرباء للشهر الماضي هو ارتفاع طبيعي جراء تغير نمط الاستهلاك في فصل الشتاء!!.
هكذا تحدثت الشركة، غير أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولم تستطع أن يكون خطابها مقنعا، بل على العكس تماما، فقد شعر المواطن بأنه محل سخرية، وبأن ثمة من يحاول استغباءه، ما جعله يلجأ إلى التصعيد والاحتجاج، ويهدد بعدم دفع فواتير الكهرباء المترتبة عليه.
هي أزمة جديدة تلوح في الأفق، وكما هي العادة، فهناك بوادر لسوء إدارة في التعامل معها، فبعد أيام من التبريرات الرسمية المتواصلة يصر الأردنيون على أن أموالهم تؤخذ منهم عنوة، وبغير وجه حق، وهم يرفضون كل ما تسوقه شركة الكهرباء من مبررات واهية، ولا غرابة في موقفهم هذا، فهم قد راكموا كثيرا من السلوكيات الحكومية التي نتج عنها غياب الثقة بمؤسسات الدولة، وبالتالي اللجوء إلى عدم تصديق الخطاب الحكومي الذي يرون فيه مراوغة وعدم شفافية.
لم تنجح الشركة في مواجهة الغضب العارم الذي يعبر عنه الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها ببساطة لم تقدم معادلة حقيقية بخطاب عقلاني منطقي يؤثر على المستهلك. المواطنون لا يريدون سوى إقناعهم بذلك، وهو ما لم يحدث لغاية الآن.
وبدلا من ذلك، لم تتوان الشركة عن إطلاق العنان للتهديد والوعيد عبر التلويح بتطبيق القانون بحق من يرفض تسديد القيمة المالية المترتبة عليه. ومع علمنا أن القانون يبيح ما تتوعد به الشركة، لكن لتسمح لنا الحكومة بالقول إن هذا الأسلوب ليس هو الأمثل بالتعامل مع مثل هذه القضايا، خصوصا أن “التشويش” وعدم الشفافية والوضوح سببه الحكومة نفسها، لذلك فهذا الإجراء لن يكون الأسلوب السوي لإدارة الأزمة، خصوصا أن التوقيت غير مناسب إطلاقا.
هذا الوعيد نتيجته واضحة للعيان؛ زيادة في رفض الشارع وتعنته، وارتفاع وتيرة الخطاب المناهض للحكومة وسياساتها، ما يعني مزيدا من الهوة بين الطرفين!.
إذا أصر الناس على عدم الدفع، ولا شك أن شريحة كبيرة ستفعل ذلك، فهذا يضع الشركة في موقف لا تحسد عليه، ما بين التراجع عن تهديدها، أو تنفيذ سياسة العقاب الجماعي عبر فصل التيار الكهربائي عن الجميع، فهل المطلوب من الشركة العناد والتصلب بالموقف، أم إيجاد حلول لهذه الأزمة؟.
وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي قالت في تصريحات سابقة، أن كلفة الكيلو واط الواحد من الكهرباء على الأردن ستنخفض إلى 6 قروش في العام 2020، (10.5 قرش كلفته في 2019). الوزيرة ربطت هذا الانخفاض ببدء ضخ غاز الاحتلال إلى المملكة. كان واضحا لنا جميعا كيف كانت بداية العام 2020. تماما عكس ما تحدثت به زواتي. فهل قالت الوزيرة هذا الكلام من أجل تسويق غاز الاحتلال، من غير أن يملك كلامها أي مصداقية؟!.
أزمة فاتورة الكهرباء لا تتوقف عند ارتفاع قيمتها لشهر واحد أو شهرين. القصة أكبر من ذلك بكثير، فالقطاعات الصناعية والتجارية، تعاني الأمرين من المبالغ الشهرية التي يتوجب عليها تسديدها لشركة الكهرباء، وتؤثر بشكل واضح وكبير على استقرار عملها وديمومته.
أما المستثمرون، فطالما شكوا من ارتفاع كلف الطاقة بالأردن، والكثير منهم غادرونا إلى دول فيها تسهيلات أكثر جدية. لم يستمع أحد إليهم، فكل هم الحكومة هو تحصيل المبالغ المالية لسد عجز موازنتها. الحكومة للأسف تبحث دوما عن حلول آنية، ولا تفكر بالمستقبل أبدا.
في الوضع الطبيعي للفاتورة فإن المستهلك يدفع أموالا تفوق كمية استهلاكه للكهرباء وبند فرق سعر الوقود في الفاتورة أحد أسباب ذلك، فشركة الكهرباء غدت كغيرها من الشركات الأخرى تبحث عن ربح فاحش، ينقذ الحكومة من براثن مديونيتها وعجزها المالي، على حساب المواطن وقدرته المعيشية.
هيئة تنظيم قطاع الطاقة دعت من يرغب بالتأكد من صحة فواتير الكهرباء أو سلامة العدادات التواصل معها مباشرة. لا أعلم إن كانت الهيئة تملك القدرة على متابعة شكاوى يجمع عليها مئات الآلاف من الأردنيين، أم أنها تراهن على أن المواطن لن يفعل ذلك كونه يئس من فشل محاولات استرجاع حقه المالي من الجهات الرسمية!!.