Site icon صحيفة الأمم اليومية الشاملة

تصاريح الحظر

التجربة الأردنية في إدارة وتطويق الأزمة أراحت الأردنيين وعززت الانتماء وأظهرت البلاد بصورة أجمل في عيون أبنائها والعالم. كما كان مذيع محطة الـ CBS الأميركية وولتر كرونكايت يطل على الأميركين في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ليطمئنهم على سير المعارك مع فيتنام أصبح الأردنيون على موعد مع إطلالة الوزيرين أمجد العضايلة وسعد جابر كل مساء.
إلى جانب الإنجازات العظيمة للدولة وأجهزتها؛ أطلت قضية التصاريح وسوء إدارتها وحصول بعض من لا يستحق على أعداد منها لتربك المشهد وتثير القلق خصوصا بعدما تناقلت الأنباء احتجاز بعض هؤلاء على خلفية ضبط أعداد من التصاريح التي سربت لأشخاص لا علاقة لها بالخدمة العامة ومصالح المواطنين في الظروف التي أوجبت ذلك.
قصة التصاريح تموجت يمينا وشمالا لتطال ناشرين وتجارا ونوابا ووزراء، وتضخمت الأرقام لتتحدث عن آلاف التصاريح التي منحت لتلك الشركة أو ذاك القطاع دون أن تظهر بيانات تفصيلية تبدد الشكوك وتحدد المسؤوليات وتضع حدا للقيل والقال الذي تنامى بمتوالية يصعب فهمها أو رسم حدودها.
المدهش فيما حدث التوقف المفاجئ لسلسلة الأحاديث والاتهامات التي طالت من تحملوا مسؤوليات توزيع أكثر من 150 ألف تصريح، وحصر الحديث عما جرى في وزارة الزراعة بل نشر بيانات تفصيلية عن أرقام قيل إن الوزارة وزعتها على شركات وجهات بعينها دون ظهور الصورة الكلية لما حصل.
التصريحات التي أوردها معالي وزير الزراعة وتطابقت مع ما قاله عدد من النواب ممن وردت أسماؤهم في القصص والروايات المتداولة تنفي صحة الأرقام التي تقول بأن شركة ألبان حمودة حصلت على 4700 تصريح، وأن النائب الفلاني حصل على كذا وكذا. حقيقة الأمر أن مجموع ما حصلت عليه الوزارة من تصريحات للقطاع الزراعي لم يتجاوز 10700 تصريح من أصل 150000- 200000 تصريح جرى توزيعها على مختلف القطاعات الحيوية الضرورية لإدامة الحياة في البلاد. ويعتبر هذا الرقم خمس ما حصل عليه النقل، وقريبا مما حصلت عليه المخابز.
في الأردن والعالم يتفق الجميع على أن المدن لا تنتج غذاءها لذا فهي تعتمد في الحصول عليه على الأرياف والسهول والمناطق الزراعية، الأمر الذي يجعل من مهنة الزراعة عملية ذات سلاسل مترابطة ومتداخلة ومعقدة، وحيث يعتمد الإنتاج على عدد من الأنشطة والعمليات السابقة والملازمة واللاحقة التي تتطلب وجود ما لا يقل عن ربع مليون عامل في المزارع والحقول والمراعي للقيام بأعمال الري والتسميد والقطاف وتغذية الدواجن وجمع البيض والعناية بالأبقار وجمع وتصنيع الألبان والنقل والرعي والتصنيع والتشغيل. خلال الأزمات ومع تنامي القلق الوجودي يتزايد إقبال الناس على المواد الغذائية كرد فعل غريزي لإحساسه بالخوف والقلق الأمر الذي يجعل من توفيرها هدفا أمنيا وصحيا وتعبويا.
إيا كانت الحقيقة والملابسات فإن اللافت خلو المؤتمرات والبيانات الصحفية من المعلومات التي تضع المواطن في صورة ما حدث وتطمئن الناس إلى صحة وسلامة الإجراءات المتخذة حيال قضية التصاريح وما أثير حولها من روايات. فلا أحد يعتقد أن القصة تنتهي عند ما حدث في وزارة الزراعة ودفع بالوزير للاستقالة. حتى اللحظة لا تكفي إشارة رئيس الوزراء العابرة في حديثه على “ستون دقيقة” بأن القطاع الزراعي هو الأوسع انتشارا وتنوعا وتمددا وشكره للوزير المستقيل والإشادة بجهوده.
في الأردن هناك من يعتقد بوجود أخطاء في أماكن ومواقع أخرى شارك فيها أشخاص في مواقع رسمية وإعلامية، ينبغي عدم السكوت عنها احتراما لما قام به الوزير الشحاحدة وتكريسا لأخلاقيات العمل الوطني الجاد الذي يتحمل فيه كل مسؤول مسؤولياته بشجاعة وفروسية دون الاختباء وراء أي حجج وتبريرات ومراوغات لا يحتملها الموقف ولا العلاقة الصحية الآخذة بالتطور بين الدولة والمواطن.

Share and Enjoy !

Shares
Exit mobile version