سؤال المليون اليوم هو؛ متى سينتهي كابوس الحظر وتوقف الأشغال والأعمال في المملكة؟ وهو سؤال ستجد مثله يتكرر بكل الدول بعد أن وحّد “كورونا” البشرية من حيث لا تحتسب.
قد يبدو الحديث عن خلاص فردي لدولة أو مجتمع ما من أخطار وتداعيات هذا الوباء الكوني أمرا صعبا، فالمعركة كما الوباء عالمية وعابرة للحدود ولا مناص من التعاون والتكاتف دوليا لوقف هذه الجائحة بالرغم مما يعتري هذا التعاون حاليا من خلل في ظل إنكفاء كل دولة على نفسها بمعركتها الخاصة، لكننا نعتقد أنه انكفاء جاء من هول الصدمة الأولى وبدافع من حسابات السياسيين قصيرة النظر، ولا بد من تجاوز ذلك باتجاه عمل جماعي وتعاوني أكبر لتنتصر البشرية بهذه المعركة.
ومع ذلك؛ فإنّ لكل دولة خصوصيتها وظروف معركتها بالاشتباك مع هذا الوباء، لذلك يبدو تخصيص السؤال عن وضعنا في الأردن ممكنا ويفترض به أن يكون قابلا للإجابة ضمن عدة افتراضات واحتمالات يجب أن تنبني على معطيات موضوعية وقابلة للقياس والتحليل.
فمتى يمكن أن ينتهي كابوس الحظر وتوقف الأعمال وأن تعود المدارس والجامعات للحياة في الأردن؟ الثابت أولا أنّ على الجميع أن يوطّن نفسه لمعركة طويلة حتى الانتصار النهائي على هذا الوباء والوصول إلى أدوية ومطاعيم لمكافحة العدوى والمرض أو ضعف وتراجع قوة هذا الفيروس مع الأيام كما يأمل بعض العلماء، لذلك فإنّ المعركة حتى الوصول لتلك المرحلة تستوجب اليقظة وتعزيز إجراءات الوقاية والحد من مصادر العدوى قدر الإمكان.
أردنيا؛ ثمة معطيات عديدة على الأرض تبدو مبشرة في القدرة على محاصرة انتشار الوباء والحد من توسعه، تتجلى في تراجع وانخفاض أعداد الحالات المكتشفة من الإصابات حتى مع التوسع بعمليات الفحص والتقصي الوبائي، وهي نتيجة واضحة للسياسة والإجراءات الحكومية المشددة مبكرا من فرض الحظر الشامل بداية ثم الجزئي على حركة المواطنين والتجمعات وتعطيل المؤسسات والشركات وأيضا بوقف حركة الطيران والسفر وفرض العزل الطبي للقادمين من الخارج.
الاستراتيجية الصحية الأردنية بمكافحة انتشار الوباء ركزت كما في العديد من الدول على محاصرة أهم مصدرين لانتشار العدوى، وهما القادمون من الخارج، خاصة من الدول الموبوءة بالفيروس إضافة للمخالطين للحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها وذلك بالتزامن مع تشديد الإجراءات لمنع الاختلاط الاجتماعي والتجمعات ما أثمر- بحمد الله- انخفاض أعداد الإصابات المحلية وانعزالها في بؤر صغيرة على مستوى العائلة، إذا ما استثنينا طبعا قصة العرس الشهير.
هذا التراجع المطرد بأعداد الإصابات وانحصار تسجيلها في المخالطين الأقربين على مستوى العائلة يبشر بأنّ انتشار العدوى في انحسار، وإذا ما انقضت فترات العزل وقابلية العدوى للحالات المصابة في ظل التزام الناس بالتباعد وأخذ الاحتياطات الوقائية فسنكون- بإذن الله- قريبا أمام مرحلة تجفيف هذا الفيروس محليا إلى حد كبير.
أما حركة الطيران والقادمين إلى المملكة فيفترض بها أن تبقى متوقفة إلى أبعد حد (ربما لما بعد شهر رمضان كما توقع وزير الصحة) حيث أن مصدر العدوى المتبقي والرئيسي هو عبر القادمين من الخارج. وبخصوص الأردنيين في الخارج ممن تقطعت بهم السبل ويرغبون بالعودة فيمكن تنظيم العودة لهم لاحقا ضمن اشتراطات وظروف حجر مشددة تحميهم وأهليهم والمجتمع كله من خطر نشر العدوى مجددا.
ضمن هذه الظروف والمعطيات المتفائلة يمكن أن نتوقع اقتراب رفع الحظر عن الحركة وعودة عجلة العمل والإنتاج والحياة تدريجيا قبل حلول رمضان المبارك نهاية هذا الشهر، وقد تكون هذه العودة للحياة الطبيعية جزئية تطال مناطق ومحافظات قبل غيرها ارتباطا بمدى خلو كل منطقة ومحافظة من العدوى مع امتداد تقليص الحركة بين المحافظات إلى حين اكتمال حلقة السيطرة على انتشار المرض.
كل هذا السيناريو المتفائل يعتمد أساسا على نجاحنا حكومة ومواطنين في الأسبوعين المقبلين في استكمال إجراءات العزل والتقصي والالتزام بعدم الاختلاط الاجتماعي إلى أقصى حد.