تهيمن قضية عمالة المياومة على مجمل النقاشات العامة في البلد، وتتصدر سلم أولويات الدولة والمجتمع بوصفها قضية ملحة وحرجة تعني حياة عشرات الآلاف من الأسر الأردنية التي تقطعت أرزاقها بسبب أزمة كورونا.
لم يقدم أمر الدفاع السادس علاجا شافيا لهذه المعضلة، وقبل أن تستفحل الأزمة الاجتماعية تدخل جلالة الملك فورا وأصدر توجيهاته للحكومة بتلبية احتياجات عمال المياومة وتوفير حياة كريمة لأسرهم.
الحكومة استجابت في نفس اليوم وأعلنت عن نيتها إصدار أمر دفاع سابع يحيط بجوانب المشكلة ويستجيب للمصالح المعيشية الملحة لفئة اجتماعية واسعة.
أزمة عمال المياومة ليست عصية على الحل، ويمكن معالجتها على مرحلتين:
المرحلة الأولى تقديم دعم مالي مباشر وسريع، لا يقل عن راتب شهرين والمعيار لذلك الحد الأدنى للأجور وقد يزيد عليه لكل عامل أو مشتغل في القطاعات العمالية وأصحاب المهن الحرة التي تعطلت عن العمل.
يمكن حشد الموارد المالية لتغطية فاتورة الدعم دون عناء شديد بالاعتماد على ما توفر في صندوق “همة وطن” من تبرعات فاقت السبعين مليون دينار إضافة إلى موارد صناديق وطنية أخرى وقروض بفوائد بنكية متدنية جدا توفرها المصارف الأردنية حاليا. كما يمكن الاعتماد على الوفر الحاصل في موازنة قطاعات حكومية أو مناقلات في بنود الموازنة العامة، إلى جانب خصومات لشهرين من رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسب محددة سلفا.
المرحلة الثانية، الشروع فورا في تشغيل قطاعات خدمية وصناعية، بدأت فعليا العمل منذ أيام، وتنوي الحكومة التوسع قريبا في فتح الباب لعودتها للسوق، في غضون أيام.
قطاع المقاولات على سبيل المثال بدأ العمل بوتيرة بطيئة، وينبغي التفكير بفتحه بقدر أوسع حاليا، خاصة لشركات الإسكان ومقاولات حكومية متعطلة منذ أسابيع. وإدامة العمل بهذا القطاع يتطلب الموافقة على فتح محال مواد البناء وكذلك ورش الميكانيك لتقديم خدمة الصيانة للسيارات المرخص لها بالعمل.
واعتبارا من الأسبوع المقبل ستبدأ المطاعم بتقديم خدمات التوصيل والمناولة، وهذا كفيل بإعادة تشغيل الآلاف من العمال. ولن يكون بمقدور الحكومة تجاهل صالونات الحلاقة والتجميل، وإلا فإن عليها أن تعتاد على مشاهد لتسريحات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
هناك حاجة بالطبع لتطبيق قواعد وشروط صحية صارمة في جميع هذه القطاعات لفترة تمتد لنحو شهرين على الأقل، وإخضاع عملها للرقابة المستمرة للتأكد من التزامها بهذه الشروط.
إذا ما التزامنا بخطة خروج سريعة على هذا المستوى حاليا، فإنه ومع نهاية الشهر الحالي سيعود معظم عمال المياومة والمهن الحرة إلى سوق العمل، وبذلك نتخلص من عبء اجتماعي ثقيل.
حتى الآن كلفة معالجة هذا الملف بمتناول اليد، ولا تحتاج لمجازفات مالية كبرى، لكن إن تأخرنا في تنفيذ المرحلة الثانية فستجد الدولة نفسها في مأزق كبير، لا يقل خطورة عن أزمة كورونا بكل تداعياتها المستقبلية.