قبل ظهور الهواتف النقالة كانت الاتصالات الهاتفية تدار من قبل أعداد خفيرة من المآمير المدربين على الرد بأدب وحرفية. في الحالات التي يزداد فيها الطلب على الخطوط وتتضاءل قدرة هؤلاء المآمير على الرد يظهر تسجيل آلي يقول «استعلامات الدليل.. عمان… لحظة من فضلك.. نحن نجيب على الطلبات بالدور».
اليوم يحتاج أبناؤنا في الخارج سماع هذه الأسطوانة فمن الواضح أن عشرات الآلاف منهم أبدوا رغبتهم في العودة إلى البلاد حالما تفتح الحدود وفي نفس التوقيت والفترة . على مشروعية المطلب وتقدير الرغبة يغيب عن بال الكثيرين منا أن مثل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر التي قد تواجه هؤلاء الأشخاص والكوادر الطبية والإدارية والعسكرية وتمتد لتطال المجتمع الأردني الذي بذل جهودا استثنائية لتحقيق نجاح مميز في السيطرة على الوباء والتكيف مع الأوضاع.
بعيدا عن المسايرة والشعارات من الواضح أن كثيرا من الناس لا يخفون قلقهم من احتمالية تجدد الخطر وإطالة أمد الحظر جراء البدء بتنفيذ الخطة الحكومية الجديدة للإخلاء والحجر لأبناء الأردن الراغبين في العودة إلى البلاد خلال الأيام والأسابيع القادمة. الإعلان عن بدء التسجيل ووصول العدد إلى عشرات الآلاف وتوزع الأعداد على بلدان اتسع فيها انتشار الوباء يفرض على البلاد الاستعداد لبرنامج تباعد وحظر طويل الأمد ومواجهة احتمالات يصعب التنبؤ بها.
العودة التي قيل إنها ستكون على دفعات وضمن أولويات تضع البلاد والكوادر الطبية والأمنية أمام اختبارات صعبة في التخطيط والتنظيم والإدارة والإعلام. من جانب آخر تشكل لهفة الأهالي ومخاوفهم على الأبناء عوامل ضغط على الكوادر والمؤسسات التي ستتولى الإدارة والضبط لعمليات النقل والاختبارات والحجر الأمر الذي قد يربك الأجهزة ويؤثر على العملية برمتها.
المخاوف التي تساور الناس في الأردن والاهالي الذين يتطلعون الى استقبال الأبناء وأعضاء أسرهم بعد استكمال الحجر الصحي الذي اعلنت عنه الحكومة لا يمكن تجاهلها او تقديم اي ضمانات لتطمينهم . فالانتقال داخل البلدان الموبؤة والسفر في وسائل نقل مكتظة ومخالطة الكوادر والمسافرين لفترات طويلة ومرات متكررة تفاعلات لا تخلو من الخطر على سلامة هؤلاء الأشخاص وإمكانية التقاطهم للفيروس ونقله لغيرهم.
استقدام الأردنيين من إسبانيا وإيطاليا ودول أجنبية وعربية أخرى قرار يحمل في طياته الكثير من الاهتمام والعناية بصحة وسلامة المواطن الأردني والوفاء بحقوقه من قبل الدولة إلا أنه خطير ومقلق إذا ما أدركنا أن غالبية حالات الانتقال والعدوى التي سجلت في الأردن منذ بداية الأزمة وحتى اليوم جاءت من أشخاص قدموا من الخارج وانتقلت إلى أعضاء أسرهم وأقاربهم ومخالطيهم.
أيا كانت الاحتياطات والإجراءات التي ستتخذها الحكومة من لحظة الصعود للطائرات إلى ما يمكن أن يحدث من اختلاط وتفاعل على متنها مرورا بالمطارات ومكاتب الهجرة والحدود، فلا يوجد ما يضمن السلامة للقادمين أو المخالطين ناهيك عما قد يحصل في الحجر ومخالطة الكوادر الصحية والإدارية والخدمية.
في كل يوم يطل فيه وزير الصحة عبر الشاشات يتعاظم خوف المواطن الأردني من قرار فتح الحدود خصوصا وأن غالبية الحالات الجديدة تسجل بين الأشخاص القادمين من الخارج. حتى اليوم لا يوجد معلومات عن تاريخ بدء العملية والفحوص والتدابير التي ستتخذ قبل وأثناء السفر، وإذا ما كانت شركات الطيران ستلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي والتي تقتضي أن تخفض حمولة الطائرة إلى الربع. وتجنب التقابل في الممرات وتعقيم الحمامات بعد كل استخدام وغيرها من الإجراءات التي أصبحت جزءا من معايير الوقاية الجديدة.
للأهالي الذين تشتعل في صدورهم اللهفة لمقابلة الأبناء والأحباء أقول إن السلامة أهم بكثير من اللقاء تحت هذه الظروف التي تشتد فيها المخاطرة والشجاعة، كما قال العرب هي في الصبر وليس في الإقدام «الشجاعة صبر ساعة»، عسى أن تزول هذه الغمة ويلتقي الجميع في ظروف أكثر أمنا وراحة واطمئنانا.