الخطوةُ التي يعتبر الأردنُ أنها تفتح أبواب الفوضى والإرهاب، تراها دولة الاحتلال “فرصةً تاريخيةً” تمد من خلالها سيادتها على أجزاء من الضفة الغربية، وتؤكد عزمها على تنفيذها، وأنها ربما تكون أُولى مهام الحكومة الجديدة التي شكّلها نتنياهو بالشراكة مع غانتس في 17 الشهر الحالي.
المسألة محسومةٌ إسرائيليا، فهي- بحسب نتنياهو – “فرصةٌ لن يدعها تمر”، وهو الأمر الذي يرفضه الأردن رفضا قاطعا لا مجال للنقاش بشأنه أو التفاوض حوله، وهو أمر كان واضحا في مقابلة جلالة الملك مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية مؤخرا، بتأكيده على أن خطوة الضم ستؤدي إلى “صدام كبير” مع المملكة، وأن عمّان تدرس جميع الخيارات.
ربما آن الأوان، وبعد تصريح اليميني المتطرف الذي يقود دولة الاحتلال منذ 11 عاما، بأن يفكر الأردن بإجراءات أكثر حزما، وأن تكون استباقية للقرار الإسرائيلي المرتقب، وأن تحسم عمّان خياراتها بهذا الاتجاه، إذ أن آذان نتنياهو صُمّت عن جميع أصوات العقل التي تحذر من خطورة القادم، وهو لا يترك مساحةً كافيةً للسلام، خصوصا أن مِن ورائِه يقف رئيسٌ أميركيٌ لا يتعامل مع القضية الأخطر عالميا بحكمة ودراية بالمخاطر القادمة في حال استمر في دعم إسرائيل على هذا الشكل.
إسرائيل تعلم جيدا أن المسألة ليست مرتبطة بموقف جلالة الملك وحده، وهو موقف حازم وحاسم بهذا الاتجاه، فالشارع الأردني من أقصاه إلى أقصاه يقف خلف قيادته، وهو لن يتهاون مع مثل هذا القرار، ناهيك عن الموقف الفلسطيني في الداخل والذي أظهر تصلّبا واضحا حيال الخطوة الإسرائيلية الحمقاء، ما يعني أن المنطقة قادمة على مرحلة في غاية الحساسية بالنسبة لدولة الاحتلال، فتهويد القدس، وضم أجزاء من الضفة أمران لن يمرا من دون نتائج وخيمة، وهذا المنطق لا يكلف نتنياهو نفسَه عناء التوقف عنده وسبر أغواره، فهو قد عَمِيَ وبات الدعم الأميركيُّ له هو عنوانه الوحيد في التعامل مع ملفات المنطقة.
إنّ خطوةً كهذه كفيلة بأن تشعلَ المنطقة بصراعٍ مرير، كما يمكن لها أن تزيدَ من نفوذ ذوي الأجندات والمتشددين، ليس فقط ضد إسرائيل، بل وأيضا ضد المصالح الأميركية وكل من يؤيد الخطوة الإسرائيلية من مراهقين سياسيين لا يعرفون طبيعة الصراع على حقيقته.
لكن السؤال اليوم، هو ما الذي ننتظره في الأردن؟ السلطة الفلسطينية سارعت إلى إعلان وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال وواشنطن، وهذا يعني أنها بلغت مرحلة أدركت خلالها أن عملية السلام انتهت ولم تعد تجدي نفعا، والأمر قد يتصاعد على مستوى الشارع الفلسطيني مع عودة محتملة لحالة التدهور الأمني، وهو الأمر الذي قد يؤرق إسرائيل، خصوصا إذا لجأت القوى الفلسطينية إلى جعل الاحتلال مكلفا على الطرف الإسرائيلي الذي ارتاح لأكثر من ربع قرن من تحمل كلف الاحتلال بعد أن رماها في أحضان السلطة الفلسطينية.
عملية السلام المزعومة تفككت قبل أن يستكمل بناؤها، وانهارت أحجارها جراء التطرف الإسرائيلي الذي لا يبحث إلا عن تحقيق مصالحه فقط، وأعتقد أنه لزم على الأردن أن يدرك جيدا أن لا شيء بات يدفعنا لأن نواصل مد يد السلام والتعاون مع هذه الدولة العنصرية.
علينا أن نعلن عن خياراتنا بصورة أكثر وضوحا وبالتفاصيل، وأن نضعها على الطاولة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ممن وجب عليهم تحمّل مسؤولية مستقبل عملية السلام، خصوصا بعد اتصالات كثيرة أجراها الأردن مؤخرا مع الاتحاد الأوروبي لإبلاغهم بخطر عملية الضم، وتأثير ذلك على الداخل الأردني، بحيث يصل الأمر إلى صدام كبير متوقع.
يحتاج نتنياهو إلى لغة خطاب أخرى تكون بحجم الجُرم الذي يعتزم الإقدامَ عليه، وأن نُسمِعَه خياراتِنا بشكل جدّي، فهذه الدولة العنصرية التي ألقت وراء ظهرها سنواتٍ من العمل من أجل سلام عادل وشامل، لن تكترثَ إذا ما خسرت المزيدَ من السنواتِ.