عانينا الأمرّين قبل أن نكحّل أعيننا بمشروع جر مياه الديسي وقد اكتمل وأصبح واقعا، يروي عطش المواطنين في شتى المحافظات.
أجيال من الأردنيين كانوا شهودا على ولادة فكرة المشروع قبل أزيد من عقدين، ظلت تراوح مكانها بين التردد والتعثر والتباطؤ، فتضاعفت كلفة المشروع ثلاث مرات عندما عقدنا العزم على التنفيذ.
في نهاية المطاف ولد المشروع الحلم، وتدفقت المياه في خط طويل من أقصى نقطة في جنوب المملكة إلى شمالها. 100 مليون متر مكعب سنويا توزعت على مدن الوسط والشمال وساهمت إلى درجة معقولة في سد العجز بحاجتنا من المياه.
لم يعد ذلك كافيا في الوقت الحالي، وصار لزاما العمل بكل إمكانياتنا لإنجاز مشروع تحلية المياه في العقبة وجرها إلى الوسط والشمال، فمع تدفق اللاجئين والزيادة السكانية، تنامت الحاجة إلى المزيد من المصادر في بلد يعد من أفقر البلدان مائيا في العالم.
المؤسف أننا، مواطنين وحكومات، أخفقنا في صيانة نعمة الديسي، فمنذ بدء الضخ بأنابيب الديسي وهي عرضة دائما لاعتداءات مشينة، كبدتنا خسائر مائية ومادية كبيرة، وعرضت قطاعات واسعة من المواطنين؛ عشرات بل مئات المرات، إلى انقطاع المياه لأيام عن خزاناتهم.
لا ننكر أن المسؤولين بذلوا جهودا لوقف تلك الاعتداءات، وتغليظ العقوبات على مرتكبيها، لكن هذه الجهود لم تكن أبدا حاسمة كما هي إجراءات مراقبة النقاط الحساسة على طول الخط.
في الشهر الماضي، فقط، تعرض الخط لأربعة اعتداءات على ما أفادت وزارة المياه، تسببت في انقطاع الضخ عن محافظات عدة. وقبل ذلك بأشهر وقع الديسي ضحية لاعتداء كبير على إحدى محطاته في الجنوب، تطلب استنفارا واسعا لإصلاحه قبل أن يضج الناس من نقص التوريد.
والمفارقة أن وزارة المياه والجهات المسؤولة تتوعد الفاعلين كل مرة بأشد العقوبات، وتتعهد بتعزيز إجراءات الحماية حتى لا تتكرر الاعتداءات. لكن لم نشهد مرة واحدة محاكمة متورط في اعتداء، لا بل لم يعلن عن القبض على أحدهم، مع أننا لا ننفك عن الإعلان في وسائل الإعلام يوميا عن ضبط مطلوبين في مخالفات بسيطة لا ترقى أبدا لاعتداءات الديسي الآثمة.
حاولت الجهات المعنية كسب دعم المجتمعات المحلية للقيام بمهمات الحماية والحراسة، وتشغيل أبناء من مناطق الجنوب بهذه الوظائف، إلا أن ذلك لم يفلح في وقف الاعتداءات.
العذر الدائم أن الخط يمر في طريق طويل ولا يمكن تأمين حماية له على مدار الساعة. لكن ثمة تجارب لدول كثيرة في هذا المجال تمر في أراضيها خطوط النفط والغاز والمياه ولا تتعرض لهذا الحجم من الاعتداءات.
في تفاصيل الاعتداء الأخير على سبيل المثال تبين من الرواية الرسمية أن المعتدين أخذوا وقتهم في تنفيذه، ومع ذلك لم يتم اكتشافهم أو إحباط العمل أثناء وقوعه.
لم يعد مقنعا بيانات الاستنكار والمناشدة من وزارة المياه، والتحذير من خطورة الاعتداءات وضخامتها. ماذا نستفيد ما دامت الاعتداءات مستمرة والانقطاعات تتوالى. ينبغي أن يكون هناك تحرك جاد وصارم يضع حدا لهذه الاعتداءات، خاصة وأننا نخطط لمد خط ثان ضمن مشروع ناقل البحرين الوطني، فهل سنترك منشآت حيوية كهذه ضحية للتخريب؟