عبدالرحمن البلاونه
كغيره من المجتمعات، يعاني مجتمعنا الأردني من بعض الظواهر المؤرقة التي تضج مسامع المواطنين بين فترة وأخرى وتعكر صفوحياتهم وتستحوذ على اهتمامهم، مكونة رأي عام مضاد لهذه الظواهر، وهذا أمر طبيعي وغير مستهجن، ولا يخفى على أحد وجود جرائم قتل، وحوادث سير، وتجارة وتعاطي مخدرات، وارتفاع نسب الطلاق، وجرائم شرف، وسرقة، وتسول، وفساد ومحسوبيات، واسطة وشللية، وجميعها قضايا معاصرة يعاني منها مجتمعنا الأردني كغيره من المجتمعات العالمية، وخاصة في دول العالم الثالث، التي تنعدم فيها مشاريع التنمية، وهذا ضمن المألوف بشكل عام.
أما ما هو غير طبيعي ولم يكن يعلمه إلا قلة صامتة، و كشفته حادثة فتى الزرقاء، وأماطت اللثام عن وجهه القبيح هو عالم الإجرام الذي ظهر إلى حد ما وكأنه منظم، وبدعم ومباركة من متنفذين، ونواب، وشخصيات هذا العالم بأسمائهم الغريبة لهم سطوة ونفوذ ويقدمون خدمات لمنشآت وأشخاص، ويتقاضون أتوات و ” خاوات ” من الكثيرين، وهذا ما أشارت أليه تصريحات لمسؤولين بارزين ومرموقين، وقادة أمنيين متقاعدين، وكانت صادمة ومؤلمة، وغير متوقعة لكثير من المواطنين، حيث أكدوا أن وجود عدد كبير من أصحاب السوابق، والمجرمين الخطرين، وفارضي الاتاوات، وجلهم معروفين للأجهزة الأمنية مدعومين ومحميين بشكل كبير من بعض المسؤولين وبعض النواب الذين يقومون بتكفيلهم، واطلاق سراحهم، ودعمهم، عند ارتكابهم لجرائمهم، وذلك في تبادل للمنافع والمصالح بين الطرفين، “شركاء الجريمة” وذلك على حساب أمن وسلامة الوطن والمواطن.
وإذا نظرنا إلى هؤلاء المجرمين من زاوية أخرى، فإننا نجدهم ضحايا لمجتمع لم ينصفهم، فمنهم من كان ضحية مخدرات، أو تفكك أسري وطلاق، ومنهم من حرمهم المجتمع من أبسط حقوقهم بالحياة، وتركهم بلا رعاية أو اهتمام، يعانون الفقر والبطالة، مما دفعهم لسلوك طرق الإجرام البشعة والانحراف، ليثبتوا لذاتهم وللمجتمع أنهم موجودين وأقوياء، ارتكبوا جرائم ، وانتهكوا الحُرمات، وتاجروا بالممنوعات والمحرمات، روعوا الأمنين، وكان الفتى صالح وغيره من المواطنين الابرياء ضحايا لهم، ولمجتمعهم الذي لم ينصفهم ولم يعطيهم حقوقهم من تربية أو علم أو انتماء.
وكان قصور التشريعات، والعقوبات غير الرادعة، الميدان الواسع الذي تصول به وتجول هذه الفئة الضالة التي لم تجد من يعبد لها طريقها لتكون لبنة صالحة في بناء الوطن، وأصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهله، ومع اقتراب الاستحقاق الدستوري لانتخاب ممثلي الشعب، يتوجب على الجميع اختيار الأكفأ ومن هو أهلاً للثقة وحارساً أميناً وصوتاً للحق، وأن لا نتيح الفرصة ثانية لعودة المجرمين الحقيقيين – الذين أصبحوا معروفين لمعظم المواطنين- إلى تحت قبة البرلمان الذي يُشرع القوانين التي تكفل حماية الوطن ومصالح المواطنين ومستقبل أبنائهم.