ربما لم نكن في حالة استعداد لمنح الثقة للطلاب لكي يمتحنوا دون رقابة من اساتذتهم، فثقافة التعليم لا تُربي على الثقة، بل هي اتهامية تربصيّة سلطوية، والطالب لا يتوانى عن أي فرصة سانحة للغش، فذلك يشكل له انتصاراً، وهو بطبيعة الحال انتصار بطعم الهزيمة. ويكون اشد وقعا حين يعلم الاهل أن ابنهم يغش ويقرون فعلته.
فيما أذكر في مجال الحديث عن بعد والثقة بالطلبة، أن جامعة آل البيت في نهاية التسعينات كانت تطرح مادة مناهج البحث لعموم طلابها في كل الكليات كمتطلب اجباري، كان المشرف العام عليها، المفكر العربي الكبير التربوي محمد جواد رضا رحمه الله. وكان الكتاب المقرر للمنهج مقدمة ابن خلدون. ويؤتى إلينا في كل أسبوع بمحاضر من خارج أو داخل الأردن. والطلاب يومها من خريجي مختلف الجامعات الأردنية والعربية والإسلامية في مرحلة البكالوريوس، وقد وجدوا بتلك الجامعة فرصة للتغيير والبحث، وكانت جامعة جديرة بذلك آنذاك.
حين أعلن الأستاذ جواد رضا ان الامتحان سيكون مفتوحا، تفاجأ الجميع، وفرحوا بان ثمة امكانية للنقل من بعض، وكان على الطالب ان يقسم انه لم يغش ويوقع على نموذج يرفقه بالإجابة، وكانت حركة أخلاقية من مشرف المساق، برغم ان كثيرين لم يعتبروا بها ونقلوا من غيرهم وغشوا.
لكنّ ما زالت احتفظ بالأسئلة، واذكر ان الإجابة عليها استغرقت أسبوعا، فكانت أسئلة توليفية تحليلية غاية في الدقة والصعوبة، واعتقد انها كانت حركة ناجحة. لكننا لاحقا، جئنا للتدريس في الجامعات ووجدنا أن طرح مثل ذلك الأسلوب مرفوض، لا بل يمكن ان يلفت نظرك وتنال تنبيها من رئيس القسم او العميد اذا ما قمت بذلك.
لم يتوقع القائمون على التعليم الجامعي والمدرسي اليوم، ان زمن الكورونا سيفرض الاختبار المفتوح او عن بعد، ويا ليتنا قبلنا بالأسئلة المفتوحة منذ زمن، فكان يمكن أن ندرب الطلبة على الثقة والبحث وشغف التعليم، وكان يمكن ان يكونوا أفضل من اليوم، حيث يقر بعض الأهالي لأولادهم بالغش او يغضون النظر عنهم، ونحن ندرك داخلنا ان العلامات ذهبت لمن لا يستحق، وان كثيرا من الطلبة يظلمون بالعلامات. فالاختبارات عن بعد لا تعكس المستوى الحقيقي لكل الطلاب.