Site icon صحيفة الأمم اليومية الشاملة

التايمز: ما سر تصاعد العنف المفاجئ ضد المحتجين بالعراق؟

نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلها للشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، يقول فيه إن فقدان شخص في بلد خسر مئات آلاف المواطنين ليس أمرا كبيرا. 

ويستدرك التقرير، بأنه في الوقت الذي يتم فيه تفريق المظاهرات السلمية التي هزت الحكومة العراقية بالقوة القاتلة من شرطة مكافحة الشغب، فإن اختفاء امرأة عمرها 38 عاما، وهي خريجة كلية الآداب، أصبح رمزا للقوى الغامضة التي تبدو أنها تدير ردة الفعل العنيفة للسلطات. 

ويشير سبنسر إلى أنه تم القبض على صباح المهداوي في بغداد، قبل تسعة أيام، في الوقت الذي كانت فيه في طريقها للبيت عائدة من مظاهرة، حيث كانت تساعد في خيمة إسعاف أولي، لافتا إلى أن عملية اختطافها أخذت الشكل التقليدي لعمليات المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، التي تجولت في شوارع المدينة على مدى الستة عشر عاما من الصراع المدني، وقاموا بالإسراع بسيارات لا تحمل أي نمرة، وتم اختطافها خلال ثوان.

وتفيد الصحيفة بأن لا أحد رأى المهداوي منذ تلك اللحظة، سوى في صورها المنشورة على الإنترنت، فيما قال أحمد المهداوي، وهو أخو صباح لصحيفة “التايمز”: “كانت صباح عائدة الى البيت عندما قام رجال مسلحون في ثلاث سيارات باختطافها.. ليست لدينا أي فكرة عمن يمكن أن يكون هؤلاء، فالعراق كانت مثل نسيج العنكبوت حيث تنشط الكثير من القوى”.

ويلفت التقرير إلى أن مهداوي قد لا يعلم من اختطف أخته، لكن الكثير من زملائها المتظاهرين يعتقدون أنهم يعرفون، فاختفاؤها جاء بعد وصول القائد للذراع الدولي للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى بغداد بتوجيه من الزعيم الروحي لإيران بإنهاء التظاهرات، ومنذ ذلك الحين اختفى العديد من الناشطين، بمن فيهم، يوم السبت، شابة أخرى هي رانيا السعيدي.

وينوه الكاتب إلى أنه منذ بداية الشهر الماضي، وقع الكثير من حالات إطلاق النار على المتظاهرين، الذين قتل منهم أكثر من 300 متظاهر، معظمها قام بها رجال ملثمون لا يحملون أي شعار، مستدركا بأن تصلب موقف الحكومة الرسمي بعد أن أظهرت ابتداء استعدادا للاستقالة في وجه اتهامات بالفساد واسع الانتشار، يبدو أنه يتزامن مع وصول سليماني. 

وتذكر الصحيفة أن آخر جولة من المظاهرات بدأت الشهر الماضي، وهي عبارة عن صورة لمظاهرات العام الماضي، وكان الصيف الحار للعراق قد أبرز عجز الحكومة العراقية التي تحكم البلد منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وفشلها في توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب باستمرار، بالرغم من كون العراق فيه ثاني أكبر احتياطي نفطي في منظمة أوبك، مشيرة إلى أنه يتم توجيه اللوم إلى فساد الحكومة، والحكومة ذاتها لا تنكر ذلك.

ويشير التقرير إلى أن عشرات آلاف المتظاهرين الذين انطلقوا إلى الشوارع يحتجون لأن وزراء بغداد سرقوا أموال النفط التي كان يجب أن تستثمر في خلق الوظائف والخدمات، فحوالي ربع الشباب العراقي يعانون من البطالة.

ويقول سبنسر إن المظاهرات هذا العام بدت أقل خطرا، ثم بدأ إطلاق النار وقتل ما لا يقل عن 16 متظاهرا بقنابل الغاز المسيل للدموع التي يتم إطلاقها من مسافة صفر، لافتا إلى بعض صور الأشعة لأجساد الضحايا تظهر تلك القنابل وقد اخترقت أجسادهم، وتم تداول تلك الصور على نطاق واسع. 

وتجد الصحيفة أن من الواضح أن كثيرا من الرجال الملثمين الذين يطلقون النار من سطوح المنازل لا ينتمون للشرطة ولا للقوات المسلحة، مشيرة إلى ظهورهم يتزامن مع بيانات تصدر من القيادة الإيرانية تشجب فيها المظاهرات.

ويفيد التقرير بأن من المفترض أن يكون رئيس الوزراء عبد المهدي محايدا بين الفصائل المتنافسة، إلا أن تعيينه تم عندما وضعت المليشيات الشيعية المختلفة، ومعظمها مدعوم من إيران، خلافاتها جانبا بعد انتخابات العام الماضي العامة، التي لم تكن حاسمة، مشيرا إلى أن أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين هي أن يفرض العراق سيادته بدلا من أن يركع أمام أي من البلدين المتنافسين إيران وأمريكا، اللتين ضمنتا سلام العراق في السنوات الأخيرة.

وينقل الكاتب عن إحدى منظمات المظاهرات، بان الصميدي، وهي مثل كثير من النساء اللواتي قمن مثل مهداوي بدور بارز في العمل في الشارع، وهو الأمر غير العادي بالنسبة للعراق المحافظ، قولها: “لقد تمت مهاجمتنا يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر من أولئك الرجال المسلحين”، وأشارت هي أيضا إلى انشقاق واضح بين قوات الأمن العراقية الرسمية والمليشيات التي تعمل باستقلالية عن التسلسل القيادي لتلك القوات.

وتضيف الصميدي: “عندما عبرنا إلى بناية وزارة الدفاع في المنطقة الخضراء حمتنا الشرطة الفيدرالية بالدروع التي تحملها، وكان المسلحون على وشك الاشتباك مع الشرطة الفيدرالية، فقررنا الهروب لمنع وقوع الاشتباك.. نثق في القوات الحكومية، ونعلم أنهم ليسوا معنا، لكن في الوقت ذاته فإننا لم نفعل شيئا خاطئا لنجعلهم ضدنا”. 

وتجد الصحيفة أن رد فعل الحكومة لستة أسابيع من المظاهرات عكس ضعفا خشي الكثير من العراقيين أن ينتج عن انتخابات العام الماضي والإطاحة برئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، لافتة إلى أنه لم يكن يتوقع الكثير من العبادي البالغ من العمر 67 عاما، عندما أتى الى السلطة في ذروة احتلال تنظيم الدولة لمساحات واسعة من البلاد عام 2014، لكنه فاجأ الكثير ببراعته الدبلوماسية، مبقيا التوازن بين دعم القوات الأمريكية ضد الجهاديين وبين التأثير السياسي الإيراني، وكان يتوقع البعض أن يفوز بولاية ثانية.

ويستدرك التقرير بأن الضغط على حزبه كان من حزب مقتدى الصدر، الذي طالب بنهاية النفوذ الاجنبي والفصيل الموالي لإيران، والمدعوم من مليشياتها، الذي لا يزال قويا، مشيرا إلى أن هذين الفصيلين المدعومين من الأكثرية الشيعية أخرجا العبادي، واستبدلوه بشخص أكثر مرونة، عبد المهدي (77 عاما) ووزير النفط السابق. 

ويجد سبنسر أن تقلبات عبد المهدي منذ بدء الاحتجاجات حولته إلى موضوع سخرية بين المتظاهرين، ففي البداية عرض إصلاحات ثم عرض الاستقالة، ثم أخيرا -بعد أن شجب الزعيم الروحي لإيران، آية الله خامنئي، المظاهرات على أنها مدعومة من أمريكا وإسرائيل- أصدر أمرا بتوقف المظاهرات. 

وتبين الصحيفة أنه مع ذلك الوقت فإن الرجال ذوي الأقنعة السوداء بدأوا بفتح النار ضد المظاهرات، وبعد أن تحدث آية الله بدأ المتظاهرون يشعرون بأن هناك محاولة أكثر تنظيما لقمع المظاهرات من المليشيات.

ويلفت التقرير إلى أن الهجوم الأخير جاء يوم السبت، عندما تحركت القوات الأمنية لتفريق المظاهرات في بغداد والمدن الأخرى، وكثير منهم لبسوا الزي العسكري دون أي علامات، حيث مليشيا بدر المدعومة إيرانيا لها وزن داخل وزارة الداخلية، واختلطت القوات الرسمية وغير الرسمية، وقتل 16 متظاهرا آخر.

ويقول الكاتب إنه في الوقت ذاته فإن استمرار اختفاء المهداوي بالرغم من مناشدات ودموع أمها على التلفزيون الوطني لإطلاق سراحها، يعد تحذيرا.

وتختم “التايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول شقيق المهداوي: “لقد ناشدنا الأمم المتحدة والسلطات والقيادات الدينية للبحث عنها وإطلاق سراحها لكن دون جدوى.. لا نعلم أين هي ولا كيف تتم معاملتها، وما يمزقنا هو أننا لا نستطيع فعل شيء لمساعدتها”.

Share and Enjoy !

Shares
Exit mobile version