الأردنيون يحيون اليوم الذكرى الـ 65 لتعريب قيادة الجيش العربي
abrahem daragmeh
يحتفل الأردنيون في الأول من آذار من كل عام, بذكرى القرار التاريخي الذي اتخذه جلالة الملك الحسين، رحمه الله، بتعريب قيادة الجيش العربي الأردني، وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه، إضافة إلى بقية القيادات الإنجليزية.
ولم يمض على الملك الشاب على توليه سلطاته الدستورية ثلاث سنوات، حيث استطاع بشجاعته، وحكمته، وقوة بصيرته إعادة ترتيب البيت الأردني، ومن سعة إدراكه بأن الجيش هو أساس الدولة، وسر منعتها، اتخذ قراره الشجاع الذي انبثق منه أهداف رسمت للعروبة بصمة. ويقول جلالته في كتابه “مهنتي كملك”، “يجهل الرأي العام عموما أن عزل الجنرال كلوب كان قضية أردنية تماما، لأن كلوب كان قائدا عاما للجيش العربي الأردني، وكان يعمل لحساب حكومتي”.
القرار كان مفصليا في حياة الأردن السياسية والعسكرية، وكان الحسين يدرك أبعاد خطوته الخطيرة والجريئة وما سيترتب عليها ولكنه كان مؤمنا واثقا بنفسه وبمن يعمل معه على صعيد القوات المسلحة، فهم أحرار حلموا باستقلال قياداتهم وتربعت أحلامهم على عرش العروبة.
وأمر جلالته بترقية العميد راضي عناب إلى رتبة لواء وتعيينه رئيسا لأركان الجيش العربي وبذلك يكون اللواء عناب أول ضابط عربي أردني يتولى رئاسة أركان الجيش العربي.
وألقى الملك الحسين القائد الأعلى كلمة للشعب الأردني أوضح فيها سبب اتخاذه هذا القرار التاريخي الذي رأى أنه لمصلحة الأردن والجيش العربي، وبُث الخطاب عبر الإذاعة الأردنية.
لقد كان قرار الحسين بتعريب قيادة الجيش قرارا هاما وتاريخيا ومفصليا، حيث كان قرارا استراتيجيا بدأ بتعريب رأس الهرم فكان قرار إعفاء الجنرال البريطاني كلوب نقطة تحوّل في الحياة السياسية والعسكرية في الأردن، كما كان قرارا شجاعا وحكيما وجريئا من جلالته، ويعتبر استكمالاً للقرار السيادي العسكري والسياسي في الأردن حيث ترتبت عليه نتائج كبيرة وهامة كان لها الأثر البالغ على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
– ظروف عسكرية محلية –
تولى جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية في الثاني من أيار/ مايو عام 1953، بعد أن نودي به ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية في 11 آب/ أغسطس عام 1952، وكان ما يزال طالبا في كلية ساند هيرست العسكرية، ولم يكن قد أكمل السابعة عشرة من عمره بعد، في تلك الفترة.
وكانت المملكة الأردنية الهاشمية حصلت على استقلالها في وقت غير بعيد، فالوقت بين الاستقلال وتسلم جلالته سلطاته الدستورية لم يتجاوز ست سنوات، ولكن المملكة خلال هذه الفترة كانت قد اجتازت ظروفا صعبة، حيث مرت في منعطفات هامة على الصعيدين العسكري والسياسي، فما إن حصلت على الاستقلال عام 1946 حتى بدأ الصراع العربي الإسرائيلي.
وبدأت حرب عام 1948، ودخل الجيش العربي الأردني القدس وخاض المعارك على أسوارها ومشارفها وفي أماكن أخرى من الضفة الغربية المحتلة، وقدم رجاله أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن القدس والمقدسات والثرى العربي الفلسطيني، وخضبوا بدمائهم الزكية مختلف روابي الحمى العربي هناك، كما ترتب على حرب 1948 تشريد نحو مليون لاجئ، واستمرت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الأردنية.
لقد كان الجيش العربي يمر بمراحل التحديث والتطوير بعد أن تم إنشاء كتائب جديدة في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، حيث شاركت هذه الكتائب في حرب عام 1948 مثل كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وتبع ذلك إنشاء كتائب جديدة هي الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والسرايا المستقلة.
وعلى الصعيد السياسي، كان هناك تعديل في القانون الأساسي وفي دستور عام 1947 بناء على المتغيرات السياسية المتمثلة في الاستقلال في عام 1946، وتوحيد الضفتين بعد مؤتمر أريحا عام 1950، وكان آخرها استشهاد المغفور له جلالة الملك عبدالله الأول ابن الحسين في جنبات الأقصى، وهو يتهيأ لأداء صلاة الجمعة في عام 1951.
وتبع ذلك وضع دستور جديد للمملكة في زمن المغفور له جلالة الملك طلال طيب الله ثراه، ثم المناداة بالأمير آنذاك الحسين بن طلال يرحمه الله في 11 آب/ أغسطس عام 1952 ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية.
وكان على رأس الهرم القيادي في الجيش العربي الجنرال جون باجوت كلوب (كلوب باشا) كرئيس لأركان الجيش، وكان هناك ضباط إنجليز يشغلون مراكز القيادة في مختلف وحدات الميدان، وبعض الأجهزة ومنها جهاز الاستخبارات، وفي ذلك الوقت كان جلالة الملك الحسين تلميذا عسكريا في كلية ساند هيرست العسكرية، وكان غير مرتاح للوضع العسكري في الجيش العربي وبخاصة أن على رأس الهرم العسكري قيادة أجنبية متمثلة في الجنرال كلوب والضباط الانجليز، وأسرّ جلالته لبعض الضباط الأردنيين الذين التقاهم في لندن بأن طموحه أن يكون هناك ضباط أردنيون يتولون قيادة الجيش العربي.
– دوافع اتخاذ القرار –
يمكننا تلخيص دوافع اتخاذ القرار بإعفاء الجنرال كلوب من منصبه بشكل رئيس في اختلاف جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه كقائد أعلى للجيش العربي مع الجنرال كلوب في مسألتين هما؛ دور الضباط العرب في الجيش العربي الأردني، والاستراتيجية الدفاعية للقوات المسلحة.
لقد كان جلالة الملك الحسين يرغب في ترفيع الضباط الأردنيين إلى المناصب العليا في الجيش، وأن يتولوا قيادته طبقا لخطة منطقية واقعية، حيث كانت المعاهدة الأردنية البريطانية تنص على حق الأردن في أن يستوفي مساعدة مالية تبلغ 12 مليون جنيه سنويا، على ان تقدم بريطانيا الضباط اللازمين لتنظيم الجيش الأردني، ولكن الضباط الانجليز من الناحية العملية والفعلية كانوا هم الذين يقودون الجيش، وهنا كان جلالة الملك الحسين قد مارس صلاحياته ومسؤولياته في تعزيز ثقة الضباط الأردنيين بأنفسهم وفي ترسيخ روح الكرامة والكبرياء القومي لتعزيز قناعتهم بمستقبل الأردن، وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، وكان الجنرال كلوب يقف عائقاً أمام تحقيق ذلك.
لقد شكل الجيش العربي ركناً أساساً من أركان الأردن، وبناء عليه أصبح (كلوب باشا) واحدا من الرجال الأقوى والأوسع سلطة في البلاد، وهذا بطبيعة الحال يفسر سيطرة بريطانيا على الشؤون العسكرية، وكان الضباط الأردنيون الشباب أصحاب الطموح يقصون أو يعهد إليهم بوظائف ثانوية، وكان جلالته يطالب بتدريب وتأهيل هؤلاء الضباط، ولم يستجب لطلبه إلا بعد مفاوضات اتسمت بالصبر والأناة وقد عرضت بريطانيا على جلالة الملك الحسين خطة لتعريب قيادة الجيش يتم بمقتضاها منح الضباط الأردنيين في المستقبل مزيدا من الامتيازات، والمستقبل هنا من وجهة نظرهم هو أن الجيش العربي سوف لن يستطيع الاعتماد على نفسه قبل ثلاثة عقود على أقل تقدير، وليس كل الجيش إنما سلاح الهندسة الملكي في الجيش العربي ويمكن أن يتولى قيادته ضابط أردني عربي في عام 1985، وهذا العرض حدث في عام 1956 وكأنهم يقولون سوف نتحدث عن هذا بعد ثلاثين عاما.
لقد كان هناك فارق في السن بين جلاله الملك الحسين الشاب المتحمس المندفع لخدمة وطنه وأمته، وبين الجنرال كلوب الذي تجاوز الستين من عمره والمتأثر بالمفاهيم العسكرية التي لم تعد تتماشى مع روح العصر، ولم يكن جلالته على وفاق مع كلوب حول الاستراتيجية الدفاعية للأردن، فكلوب كان يحاول تقييد الجيش بمفاهيمه الخاصة ولا سيما دفاع الأردن ضد إسرائيل الذي كان من أهم مظاهر الخلاف بين جلالته وكلوب.
وكان جلالته يرى ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية الدفاعية الأردنية الرد الفوري السريع لردع العدو، في الوقت الذي كان الجنرال كلوب ينصح بالتزام جانب الحكمة والحذر، أضف إلى ذلك القيود التي كانت تضعها بريطانيا على تزويد الأردن بالسلاح والمعدات، وكان جلالة الملك الحسين مصمما على إنشاء جيش قوي متوازن، يدعمه غطاء جوي هام، ويرى أن تحقيق ذلك مستحيل ما دام كلوب على رأس الهرم القيادي العسكري، وهنا رأى جلالته أن عليه أن يعزل كلوب ويعفيه من منصبه وعلى كلوب أن يرحل سريعاً.
كان لجلالته رأي في تنظيم الجيش، حيث أنه كان يرى أن جهاز القيادة في الجيش يضطلع بأمور ليست من اختصاصه، فقيادة الجيش مثلاً لا اختصاص لها بسلاح الطيران، وكذلك بالنسبة للشرطة والدرك ودائرة المباحث في تلك الفترة.
وفي يوم الخميس الموافق الأول من آذار/ مارس 1956، قرر جلالة الملك الحسين اتخاذ القرار مع إدراكه لمحاذريه على كافة الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولكن جلالته رأى أن الشعور الوطني والكرامة والقومية تملي عليه اتخاذ القرار، وقد طلب جلالته عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء وتوجه إلى دار الرئاسة وقال لرئيس الوزراء آنذاك دولة سمير الرفاعي، إنه يرغب في إنهاء خدمات رئيس الأركان في الحال، ونفّذت الحكومة رغبة جلالته فوراً.
وقرر مجلس الوزراء في قراره رقم 198 تاريخ 1 آذار/ مارس 1956 ما يأتي:
1. إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصبه في رئاسة أركان الجيش العربي الأردني.
2. ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبه أمير لواء وتعيينه في منصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني.
3. إنهاء خدمة القائم مقام (باترك كوجهل) مدير الاستخبارات.
4. إنهاء خدمة الزعيم هاتون (مدير العمليات العسكرية).
وفي ذلك الحين، أبلغ رئيس الوزراء الفريق كلوب بقرار إنهاء خدماته، بناء على تعليمات جلالة الملك وطلب منه أن يغادر عمان في صباح اليوم التالي، كما استدعى السفير البريطاني وأبلغه قرار إنهاء خدمات الفريق كلوب فغادر الفريق كلوب عمان بالطائرة في الصباح الباكر من يوم الجمعة الموافق 2 آذار/ مارس 1956.
وفي تمام الساعة السابعة والنصف، نقلت الإذاعة الأردنية أنباء الخطوة الجريئة لجلالة الملك الحسين، والتي لم يكن يتوقعها أحد، حمل الأثير صوت المغفور له الملك الحسين وهو يحمل البشرى بنبرات قوية واضحة برحيل كلوب باشا وانجلاء غمامة الوجود البريطاني، وأصبح الجيش العربي جيش الوطن والأمة في خطاب قصير هذا نصه:
“أيها الضباط والجنود البواسل: أحييكم أينما كنتم، وحيثما وجدتم، ضباطا وحرسا وجنودا وبعد: فقد رأينا نفعا لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا، أن نجري بعضا من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل منكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة، وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئا لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روح التضحية والفداء، ومترسماً نهج الأُلى، في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم”.
وبعد تنحية الجنرال كلوب، عرضت السعودية ومصر وسوريا على الملك الحسين أن تقوم بدفع معونة مالية للأردن في حالة قطع المعونة البريطانية أو التخلي عنها، وزار جلالته سوريا حيث عقدت مباحثات مع رئيس الجمهورية السورية وتمخضت المحادثات عن صدور بيان مشترك حول إقرار اتفاقية عسكرية بين البلدين.
– أبعاد عسكرية للقرار –
لقد كان للقرار أبعاد سياسية وعسكرية كثيرة، انعكست إيجابا على الجيش العربي ووحداته وتشكيلاته وعلى إعداده وتجهيزه وقد تمثلت بما يأتي:
1.استكمال القرار السيادي العسكري، حيث شكل إقصاء الجنرال كلوب وتسليم قيادة الجيش إلى ضابط عربي أردني استكمالاً للقرار السيادي العسكري الأردني وبذلك يكون قرار جلالة الملك الحسين بتعريب قيادة الجيش قد استكمل الاستقلال الحقيقي للمملكة الأردنية الهاشمية الذي كان عام 1946، وتلا ذلك إلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 التي كانت تقيد الأردن عسكريا وسياسيا.
2. التعاون العسكري، حيث تم عقد اتفاقيات للتعاون العسكري المشترك مع دول عربية مثل مصر وسوريا والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وتم تقديم معونة سنوية مقدارها 36 مليون دولار بدلا من المعونة البريطانية، بموجب اتفاقية التضامن العربي التي وقعت في مصر في 19 كانون الثاني/ يناير 1957.
3. إنهاء الوجود العسكري الأجنبي؛ شكل قرار جلالته بتعريب قيادة الجيش العربي بداية لنهاية النفوذ البريطاني في الأردن وجلاء الوجود العسكري البريطاني عن الأردن نهائيا.
4. المعاهدة البريطانية؛ بعد توقيع اتفاقية التضامن العربي في القاهرة، تم إلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 والتي كان لها شقان الأول سياسي والثاني عسكري وتمت تسوية كافة التفصيلات العسكرية ذات العلاقة بين القوات البريطانية والجيش الأردني.
5. الجيش العربي جيش للوطن والأمة؛ بعد قرار التعريب وحرية القرار العسكري الأردني أصبح الجيش العربي الأردني جيشاً للوطن والأمة ودليل ذلك وقوفه مع العرب في أزماتهم مثل أزمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ووقوف الأردن عسكريا إلى جانب مصر، ومواقفه إلى جانب العرب في كل بقاع الوطن العربي الكبير في المحن والكوارث التي تعرضوا لها، واستطاع الأردن التعامل مع الأحداث الجسام التي كانت تعصف بالمنطقة وتجاوزها بسلام.
6. تعبئة الموارد البشرية؛ حيث أصدر جلالة الملك الحسين توجيهاته لتطبيق تجربة فريدة من نوعها عام 1962 بتشكيل معسكرات لطلاب المدارس الثانوية خلال العطل الصيفية بإشراف وزارة الدفاع والتربية والتعليم والداخلية (معسكرات الحسين)، لتدريب الطلاب فيها على الحركات العسكرية واستعمال الأسلحة الخفيفة، وقدمت القوات المسلحة المدربين من الضباط وضباط الصف، واشترك في أول معسكرات أقيمت في 14 حزيران/ يونيو 1962 (3920) طالبا قسموا على 12 معسكرا.
7. فصل الشرطة والدرك عن الجيش العربي؛ حيث صدر قانون بفصل الشرطة والدرك عن الجيش العربي اعتبارا من 14 تموز/ يوليو 1956 وإنشاء مديرية للأمن العام وجعلها مسؤولة عن رجال الشرطة والدرك، وعين الزعيم بهجت طباره مديرا للأمن العام.
وباختصار، فإن قرار تعريب قيادة الجيش العربي الذي اتخذه الحسين كان قرارا استراتيجيا على المستويين السياسي والعسكري، وكان جريئا وهاما على الصعيدين الوطني والقومي وكذلك الدولي، ونابعاً من فكر جلالة الملك الحسين عليه رحمة الله، ويهدف إلى النهوض بالأمة وقواتها المسلحة وخدمة قضايا الأمة، وقد جنى الجيش العربي ثمار هذا القرار، وتمكن بتوجيهات من جلالة الملك الحسين وإشرافه ومتابعته من الاعتماد على نفسه قبل الوقت الذي حدده القادة الانجليز، وعلى رأسهم الجنرال كلوب بثلاثين عاماً، وتبوأت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، مكانة عربية ودولية متميزة، وقامت بواجباتها تجاه قضايا أمتها ووطنها، وساندها رجولة وتضحيات أبنائها وحكمة وشجاعة قيادتها.
واليوم وبعد مضي خمسة وستين عاما على هذا القرار التاريخي يمضي مليكنا المفدى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على خطى الملك الباني يرحمه الله في تأهيل وتدريب وتسليح القوات المسلحة حتى غدت أنموذجا في المنطقة والعالم ومثالا بين جيوش العالم في احترافيتها وانضباطها وقوتها، تحمل رسالة الثورة العربية الكبرى، وتدفع بالعاديات عن وطننا، وسكن هذا الجيش في قلوب الأردنيين وكل أرض حلّ عليها وارتحل، يرسم الابتسامة على وجوه من شردتهم الكوارث والحروب، وقدموا كواكب الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أجل فلسطين؛ قدسها ومقدساتها وبياراتها التي نطقت أشجار زيتونها تروي قصص الشهداء الأبطال، وها هم اليوم يسجلون للعرب صدق قوميتهم وعروبتهم ورسالة إسلامهم السمحة في التعامل مع الأشقاء الذين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت من تشريد وتدمير وقتل ودماء تراق وبيوت تتهدم.
وعمد جلالة الملك عبدالله الثاني ومنذ اللحظة الأولى لتسلم سلطاته الدستورية إلى إيلاء جُل اهتمامه ورعايته بالقوات المسلحة لمعرفته الدقيقة بواقعها وتحدياتها، فهو رفيق السلاح الذي تخرج من بين صفوفها، وسخر لها ما تحتاجه من الإمكانات والمتطلبات لتواكب العصر تسليحا وتأهيلا، ولتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه، فكان التطوير والتحديث المستمر لهذه المؤسسة العسكرية العريقة غايته.
وسعى الملك إلى تحسين أوضاع مرتباتها وبما ينعكس إيجابا على القوات المسلحة الأردنية، اذ أصبحت مثالا ونموذجا يحتذى به وبمصاف الدول المتقدمة وعلى مختلف المستويات العملياتية واللوجستية والتدريبية، وبما يميزها عن باقي الجيوش باحترافية وكفاءة كبيرة وجاهزية قتالية عالية جعلت منها مقصدا ومعهدا لتعلم أساليب القتال ومهارات الضبط والربط العسكري، ولا يزال الجيش العربي يسعى لتحقيق المزيد من الآمال والتطلعات التي مثلتها مبادئ الثورة العربية الكبرى وما زال يرفع راياتها عاملاً ومجاهداً من أجل الاستمرار بتحقيق أسمى المبادئ، فالجيش العربي هو جيش العرب ولكل العرب خاض معارك الأمة على اختلاف ساحاتها منذ العهود الهاشمية الأولى حتى وقتنا الحالي.