Site icon صحيفة الأمم اليومية الشاملة

عامل في حضرة الإقطاعي”


بقلم: ضياء إغريب

تسهو، وتتناسى القيام عن نداء الإله الخالق مع نداءات الفجر الصادحة في أرجاء المعمورة، وتتفنن تسويفا في تمديد الوقت لتستيقظ، وما أن تصحو إلا بعد سطوع الشمس،

وها هو موعد اقتراب عملك عند الإقطاعي يقترب، تأتي لحظات العد التنازلي، فتنطلق تقافزا مع أقدامك، وتبارح المكان مهرولا، ثم راكضا بين غسل وجه، فقضاء حاجة، وتسريح للشعر، ولباس للعمل، و١٥ دقيقة يكون معها رباط الحذاء محكم الربط، والتجديل كفراشة،

وهيا أيها البطل العبد المطيع لأوامر سيده، سارع فرب عملك لا يمكن التأخر عن موعدك معه لدقائق، بل بالوقت التام عليك الوصول، فخمس دقائق لا تصل فيها الموعد، تسمعك ما لا تود سماعه، أو ما تأقلمت على سماعه لترضخ بما يشفق عليك به في نظره، وتسعد بفتاته مع كل نهاية شهر، وأما ربك الخالق، فلا تحسب حسابا، ولا تعطي أي اهتمام بتأدية الفريضة له لدقائق، رغم أنه المعطي لك وله في هذه المعمورة!.

إن العمل لدى الإقطاعي يعني أنك عبد مملوك في حضرته، تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه، إن هالت البهجات في كواليسه عليك الانبهاج، والابتهاج رغم دمار كيانك داخليا، وتعابير انكسارك خارجيا، وإن حزن، واضطجر، فلابد لك من إظهار التضايق لأجله، وتحمل تبعات ما يصدر عنه، فتقلبات مزاجه مفتوحة لتتلقى منها ما يتطاير من فمه وتصمت.

إن كان في تصرفه غباء، وبلاهة فتشيد بعبقريته، وإن كان لك وعي، ويقظة، وقزمك، فتشير بحكمته، ومعرفته أكثر منك، وتهز برأسك وتؤكد، أو بلسانك فتنافق، أو تصمت فتنخرس.

في ساعات سجنك عند الإقطاعي الكل يتحكم بك كالآلة، فشقيقه يملي عليك، وابنه الأكبر الذي تكبره بعقد، أو عقود، يريد أن يعلمك الحياة، وأسلوب التعامل مع البشر، والعزيز الذي يعمل عنده لسنوات مطلوب منك السير على دربه، وإطلاق لقب (المعلم) عليه.

عند الإقطاعي لا تستغرب بالمطلق أن يخصم من أجرك الضئيل ساعات، ودقائق، فالحق حق مقولة أرباب الإقطاعية المشهورة، وتأكد مهما أدخلت أرباحا مالية يومية، أو شهرية له، لن تكون تلك الأمور ضمن الحسبان ليتفادى عن تأخر في القدوم، أو المغادرة لتأدية غرض، أو ظرف شخصي ما، فالجواب جاهز: “أنت تعمل أجير لدينا، ووافقت على الأجر الذي طرحناه، غير ذلك أنت حر، لم نجبرك على البقاء معنا، ما دام أسلوبنا لا يعجبك”.

سيناريو الإقطاعي في ظاهره لا يصارحك بتدمير كل شيء في حياتك، بل بالعكس يظهر دوما بمعرفته مصلحتك، وحرصه على الدوام بحصولك على المزيد من المال بعملك الإضافي دون إجازات، والشيء الصحيح علاقاتك الاجتماعية دمرت تماما.

كيانك كإنسان انمسخ، صرت كآلة تنفذ، وتسير على نمط : “يعمل فينام، فيصحو ويعمل”، فلا صلة رحم، ولا زيارات أصدقاء، ولا حتى جلوس مع أبناء وزوجة للمتزوجين، ولا رحل نهاية أسبوع، ولا وقت لرياضة، أو قراءة، أو تعلم مهارة جديدة، ولا أي نشاط خارج سياق منطقة الإقطاعي وحيزه، أي أنت في قبضته، وبرمجة حياتك هو الأكثر معرفة بالطريقة الأجدى لها.

إظهار المسكنة طريقة للتملص من بعض التعكر للمزاج في وقتك عند الإقطاعي، ووسيلة لاختراع أكاذيب على أنها حقيقة لتغادر، أو تتحجج بوقوع مصيبة، أو حدث مفبرك، لتفك قيودك من سيدك، وتنال حريتك كعبد يطيع ما يمليه عليه مؤجره.

المقصد في كل مفاهيم، وديانات، وشرائع العالم يعد العمل عبادة، والإتقان، وإتمامه على أكمل وجه شرف عظيم، وينعكس بالإيجابية على صاحبه، إنما انقياد الإنسان نحو الانخراط ضمن حيز الوظائف، والعمل كأجير لدى الآخرين، وتحديدا بالقطاعات الخاصة في الشركات، والمؤسسات، والمحال التجارية باختلاف فروعها، وطبيعة أعمالها، طريق من رأي شخصي، وتجارب انعكست بالسلب على حياتي، لتقصير العمر، وتضييع للهدف، والغاية السامية من وجودك على هذه الأرض، واستنزاف لكل طاقة إيجابية موجودة عندك، وتضييع وقت في حضرة أشخاص لا يهتمون لما تهتم به، ولا يراعون ما يحتويه عقلك، ولا تعي لهم أي شيء كإنسان، أو فرد في مجتمع له احتياجات مختلفة مثلهم.

النصيحة للآباء ومن مثلي ليس بموقع النصيحة، علموا أبناءكم جامعة الحياة بالتجارة بأساليبها الحديثة، والقديمة، بما يتلاءم مع معطيات، ومجريات كل ما هو حديث، فالوظيفة عبودية، وفتات باعث على الاكتئاب، والأمراض النفسية، والعقد، والهدم لقوة الذات، والعيش بأقل مما تستحق كإنسان لك قيمة في هذه الحياة.

وإلا فلا تستغرب أن تكون بين يدي إقطاعي يحقق أرباح، وأحلام تجارته، وأنت تقضي وقتك ضائعا مساعدا له في الوصول لما يريد، وحضرتك تعد السنين، والأيام، ومتى وصلت مستنفذا كل الخمس الموصى بها للاغتنام، رأيت مصيرك الشارع، ونظرة الازدراء، والشفقة من الآخرين،

Share and Enjoy !

Shares
Exit mobile version