أ.د.محمد ماجد الدَّخيّل.
لا يُخامرني الشك بأنّ دولة سمير الرفاعي يمتلكُ الحس الوطني الجامع ،ويتناغم مع تطلعات جلالة الملك وطموحاته ومطالبه ورؤاه الحالية والمستقبلية للأردن الجديد في بدايات مئويته الثانية المجيدة ، وكما يستقرُ في قرارات العارف مثلي عِزّ المعرفة عند الحديث الشامل عن شخصيته الوطنية ومواطنته الحقيقية ؛فإنّه يُدرك تماماً أن دولته يُصدق أهلُه فيما يقول من جهة ، وما يصدر عنه من أفعال وجهود وطنية من جهة أخرى .
ما دفعني لهذه المقدّمة المكثّفة ، هو الرد الحقيقي والدقيق والعالم بالشئ على تيار الخوض المتعجل في تحليل مصطلحات ومفاهيم وتراكيب سياسية ،كما يهوى بعض المحللين رؤيتها وفلسفتها كيفما يشاؤا ،وكما يحلو لهم أيضاً،و كما ترسم لهم دوائر مخيلاتهم مثل هذه التحليلات والشطحات وسراب الصحراء ، بخاصّة مفهوم “الهوية الوطنية الجامعة “وآفاقه وتداعياته الإيجابية .
ففي وسط انشغال الوسط المحلي حول هذا المصطلح السياسي والجدل الدائر رحاه بين الحين والآخر ،وبرأي المُتابِع أمثالي ،لا أعتقد أن مقاصد دولته من هذا المفهوم تتعارض مع تطلّعات كافة الأردنيين وطموحاتهم ومطالبهم من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ،التي حققت نجاحاً كبيراً لا مثيل له ولا نظير .
وعلى عادة العارفين بالشئ ،بل الأشياء ومراميها السياسية ،ومن أوسع أبواب المصلحة الوطنية ،يطل علينا دولة الرفاعي بكلمة الفصل ،وهي الكلمة النهائية التي لا تقبل القسمة على أي تحليل للمفهوم يدعو لإثارة الجدل ،ولا تتقاطع معه،ولا تتوافق معه ،حينما رأى أن مخرجات اللجنة الملكية وتوصياتها تنحو نحو البرلمان القائم على التعددية الحزبية والسياسية بعد ماذا ؟
بعد ربع قرن من برلمانات الصوت الواحد الأحادي ،وبوساطته تعززت الهويات الفرعية من ناحية ،والولاءات الثانوية من ناحية أخرى .
وتمظهرت مخرجات اللجنة الملكية وتوصياتها في توضيح المقصد من الهوية الوطنية الجامعة للأردنيين ،كما عزّزتها أيما تعزيز ،لأنّ الهوية الوطنية الجامعة التي ينظوي في ثنايا رايتها ،وينتمي إليها الكل ،وليس الجزء ،وهي أساس متين لبناء منظومة النمط الديمقراطي الوطني ،وهي هوية متجذرة جامعة تبتعد عن الهويات الفرعية ،وتحفل بالثقافات الجزئية للمجتمعات والبيئات المحلية في جغرافيا وديمغرافيا الوطن الواحد ،وكلما كانت الهوية صلبة ومتينة كانت بمثابة الثروة الثمينة للمثال الديمقراطي المحلي ،بعيداً عن شطحات التأويل وتعدد القراءات للمفهوم الذي لا يدعو إلى التشظي وتنامي الهواجس والمخاوف ،وتحميل المفهوم ما لا يحتمله من دلالات حقيقية واضحة لنا ،وبعيداً عن الجدل المستمر والنقاشات التي تهدر الوقت ولا تستفيد منه .
وفي تقديري ،أن دولة الرفاعي نجح نجاحاً كبيراً في إفصاحه عن مراميه وأهدافه من مصطلح “الهوية “كما ورد في الوثيقة الملكية يُعدُّ كلمة أخيرة وقاطعة يُقصد به ما ترسّخ في أذهان الأردنيين منذ التأسيس إلى الآن .
وبهذا التوضيح لهذا المصطلح السياسي المعروف في أدبيات علم السياسة يكون دولة الرفاعي بدد الهواجس والمخاوف التي تسيطر على بعض الناس ، وفعلاً يصدق القول بأن “أهل مكة أدرى بشعابها “.