– عبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى بهو “معهد السياسة والمجتمع”، الذي يقع في شارع وصفي التل، واستمع من مدير تطوير البرامج، حسين الصرايرة، عن شرح لأنشطة المعهد ومشروعاته وهو يشاهد الصور التي تملأ البهو، فيما كانت نخبة من السياسيين والمثقفين وأعضاء مجلس أمناء المعهد بانتظاره في قاعة المفكر الراحل الكبير عدنان أبو عودة.
وبحضور الرئيس الفخري للمعهد، الشريف شاكر بن زيد، رحّب رئيس مجلس الأمناء عزمي محافظة بالضيف الكبير، وأدار الحوار معه الإعلامي والمحلل السياسي عمر كلاّب، وانطلق ميقاتي في تشخيصه للحالة اللبنانية من السياقات التاريخية والسياسية خلال العقود الماضية، وصولاً إلى الانتخابات الأخيرة، والسيناريوهات المتوقعة على صعيد تشكيل الحكومة والانتخابات الرئاسية والعلاقات بين القوى السياسية المختلفة.
المفارقة في الأمر أنّ رئيس الوزراء اللبناني بدا أكثر تفاؤلاً وإيماناً بالحلول الاقتصادية والسياسية من الحضور الأردنيين، بالرغم من أنّه يقود بلاده بعد أن خيّم عليها شبح الإفلاس وفي ظروف إقليمية ودولية في غاية الحساسية، وظروف سياسية صعبة أيضاً تتسم بالاستقطاب الداخلي الشديد.
وضع ميقاتي مفاتيح رئيسية لمستقبل لبنان؛ على الصعيد السياسي طرح أهمية الانطلاق من اتفاق الطائف وتدعيمه والبناء عليه وتطوير ما يحتاج إلى تطوير منه، ودافع عن فكرة اللا مركزية بوصفها خياراً مناسباً في المرحلة المقبلة للتعامل مع الأوضاع السياسية والإدارية هناك، لكنّه عندما سئل عن المقصود باللا مركزية هنا؟ وبأي معنى وأبعاد طرح سيناريوهات وخيارات متعددة، منها ما هو إداري ومنها ما هو إداري ومالي، وهكذا، لكن من الواضح من حديث الرئيس اللبناني أنّ المقصود هو التفكير في منح مساحات من الحريات والخصوصيات للمكونات المختلفة في الحالة اللبنانية ومحاولة تخفيف الاحتكاكات المستمرة يومياً.
سياسياً من الواضح أنّ ميقاتي وهو رئيس يمتاز بدرجة عالية من الذكاء السياسي والخبرة الاقتصادية لا يخفى عليه حجم التعقيدات في المعادلة الداخلية والأزمات الكبيرة التي من السهولة على أي سياسي أن يستدرج إليها، مع ذلك فهو يتحلّى بإيمان شديد بإمكانية إيجاد حلول ومخارج، وقد أشار اكثر من مرة إلى “طاولة الحوار”، وبناء تصورات مشتركة للمستقبل، ورمى بورقة اللامركزية في محاولة لإيجاد صيغة جديدة يرتاح لها الجميع.
وعلى الصعيد الاقتصادي لا ينكر الرئيس حجم الأزمة الاقتصادية وخطورتها، لكنه مع ذلك بدا متفائلاً أيضاً بأنّ لبنان سيعبر هذا المتعرج الخطير في غضون أعوام إذا سار على الخط المرسوم من خلال تطبيق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي يشكك اقتصاديون حضروا الجلسة بمدى إمكانية تحققه، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لشريحة اجتماعية عريضة من المواطنين.
وفي سياق السياسات الخارجية أبدى ميقاتي تفاؤله بإمكانية حل إشكالية الغاز في البحر المتوسط والأزمة الراهنة مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي الذي لا يبدو من مصلحته عدم استقرار الأوضاع في لبنان، فيما كان يرى بعض الحضور أنّ الأزمة الحالية قد تؤذن بحرب جديدة بين الدولتين، لتستغل إسرائيل انشغال العالم بالحرب الروسية- الأوكرانية.
اما في ما يتعلق يسياسة لبنان الخارجية وعلاقتها بالدول العربية فأكد ميقاتي على سياسة “النأي بالنفس” التي يرى أنّها الأفضل للبنان بما يتعلق بالخلافات العربية والقضايا الإشكالية في هذا الشأن.
فاجأ الرئيس ميقاتي الحضور بالانسيابية الكبيرة والحديث الصريح المتسلسل الذي ميز طرح ميقاتي في الإجابة على تساؤلات الحضور.
لا يخفي الرئيس ميقاتي أن لبنان على صفيح ساخن، وهو جزء من سياق إقليمي مضطرب وظروف عالمية لا تقل تذبذباً لكنّه يملك عقلية تحليلية متميزة تصنف الملفات وترتبها بحسب طبيعتها وموضعها ويتحلّى بعقلية هادئة في التعامل مع هذه الملفات التي يمكن أن تحرق أي سياسي أو حكومة تقترب منها، بخاصة في حالات سياسية معقدة مثل الأوضاع في لبنان.