كتب المحامي علاء مصلح الكايد كنت آمل أن تحمل مقالتي هذه – الأولى بعد المائة – بشرى وأمل لتزامنها مع أعياد الوطن ، لكنّ الواقع والضّمير ليُحتّمان علينا أن نقول الحقيقة المجرّدة بلا عواطف أو بثٍّ للآمال المستحيلة .
وأمام ما نطالع بشكلٍ شبه يوميّ من إعتصامات ونداءات في الميادين وعبر الأثير تحمل معها صرخات وأمنيات الكثيرين من أخواننا وأخواتنا المتعثّرين لإخراجهم من مأزقهم الماليّ ، ورغم تعاطفنا جميعاً مع هذا الرّجاء ، إلّا أنّ العتب على الزملاء من القانونيّين الذين تبنّوا هذه المسألة وأحيوا آمال الفئات الضعيفة بالمخارج دون تفحّصٍ لقواعد القانون وإدراك إستحالة تطويعها لتنفيذ المطالب بمنع حبس المدين .
وأذكّر هنا بالقاعدة القانونيّة العامّة ” عدم سريان القانون بأثرٍ رجعيّ ” ، والتي تحرم كلّ متعثّرٍ يقضي محكوميّته في الحبس وكذلك أيّ مدينٍ بوشر بحقّه إجراءٌ قضائيّ من الإستفادة من أيّ قانونٍ يعدّل الأحكام أو يخفّفها ، لأننا وببساطة أمام نزاعات حقوقيّة بحتة لا جزائية ، ولأنّ قاعدة ” القانون الأصلح للمتّهم ” التي تشكّل إستثناء على القاعدة الأساس وتسمح بسريان القانون بأثرٍ رجعيّ لا تنطبق سوى على الأحكام الجزائية ، ولا ينسحب أثرها على النزاعات المالية والمطالبات الحقوقيّة .
لا بل إنّ السّير في أيّ تشريعٍ يهدف إلى تقليص فرص الدّائنين في الإحتفاظ بأيّ أدوات قانونيّة كحبس المدين أو رفع الحماية عن الشّيكات سيدفع بالدّائنين إلى تسجيل طلباتهم القضائية للإستفادة من أحكام القانون النّافذ بالنسبة للديون المستحقّة التي لم تسجّل بعد تفادياً لخسارة أحقيّتهم بطلب الحبس ، أي أنّه وبعبارةٍ أدقّ سينهي حالة صبر الدّائنين على مدينيهم وسيضاعف أعداد المطلوبين والمطلوبات .
أما بخصوص الشيكات ، فلن يؤدّي رفع الحماية الجزائيّة عنها إلّا ضرب عصب الإئتمان في الحركة التجاريّة ، كونه سيدفع بالمدّعين المشتكين من الدائنين إلى التمسّك بحقوقهم الشخصيّة وبالتالي الحكم الجزائيّ على المدين مهما بلغت العقوبات المانعة للحرّيّة ، وطالما أن هذه الأوراق التّجاريّة تُعدُّ بديلاً للنقد ، يتوجّب تأمين الحماية القانونية لها وللمتعاملين بها كأدوات للوفاء وفقاً للتعريف القانونيّ ، كما أنّ هذه المسألة تخضع لإعتبارات عدّة منها ما هو مشترك دوليّاً ومنها المحلّي ، ولا أظنّ أحداً يرغب بأن يُعَدَّ الأردنّ ملاذاً آمناً للمُلاحَقين والمطلوبين أو مُستقطِباً لأصحاب الذّمم غير النّظيفة ، كما أنّ تشديد عقوبة السجن في الشّيكات لم تجدي نفعاً في منحها القوّة الإئتمانيّة ، ولا أطنّ رفع الحماية هو الحلّ والعلاج في هذه الحالة بل ربّما العكس هو الصّحيح .
أعلم أنّ هذا الكلام لا يسعد أيّ مدين ولا يسعف أيّ متعثّر ، لكنّه واقعٌ لا تستطيع السُّلُطات الثلاث تغييره حتّى وإن أرادت .
وإنّ وسائل تطويق هذه الظاهرة ليست قانونيّة بل إقتصاديّةٌ وإجتماعيّة في الأساس ، وبحاجة لورش عمل متخصصة جدّية تعالجها ، آخرها تعديل قانون التّنفيذ .
والله من وراء القصد .