رغم إصرار الصين على أنها نجحت في مكافحة فيروس كورونا الجديد، إلا أن تداعياته الاقتصادية خلّفت ملايين العاطلين عن العمل، ما يهدد هدف بكين الطموح للقضاء على الفقر هذا العام. وتعمل السلطات الصينية جاهدة على النهوض بالاقتصاد مجددا بعد جمود جراء جهود مكافحة الفيروس، لكن العديد من الشركات واجهت بداية متعثرة فيما يتحمل العمال عبء الأزمة. وفي بلد يُعرف بناطحات السحاب والاختراعات التكنولوجية، يعتمد الملايين على مصادر دخل ضئيلة.
ويعيش نحو 5.5 مليون صيني في الأرياف ويعانون من الفقر، الذي يعني حسب تعريف الحكومة أنهم يكسبون أقل من 2300 يوان (326 دولارا) في السنة.
ويشكّل تباطؤ الاقتصاد ضغطا على الهدف الأساسي للحزب الشيوعي وهو التحوّل إلى «مجتمع ينعم بالرخاء بشكل معتدل» بحلول نهاية العام 2020، وهو ما كانت تطمح إليه بكين قبل وقت طويل من ظهور الفيروس.
ويهدد التباطؤ كذلك الاتفاق الضمني القديم بين الشعب والحزب بأن التضحية بالحريات أمر مقبول مقابل تحقيق تقدّم اقتصادي، وهو تفاهم تقوم عليه بدرجة كبيرة شرعية الحكومة الصينية في غياب أي انتخابات بالمفهوم الغربي. ولا توفّر الصين الكثير من امتيازات الضمان الاجتماعي، بينما لا يملك العمال الذين يخسرون وظائفهم سيولة كافية، ما يعني أن ارتفاع معدلات البطالة يحمل معه عادة القلق من احتمال وقوع اضطرابات.
وتظهر إحصائيات رسمية ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، إذ ازداد عدد العاطلين العمل بنحو خمسة ملايين شخص بين ديسمبر/كانون الأول وفبرايرشباط. وأفادت شركة البيانات «كيكسين» أن مؤشر مدراء شراء الخدمات التابع لها، والذي يعد مؤشرا أساسيا على النشاط في قطاع الخدمات، أظهر ان الشركات خفضت أعداد موظفيها الشهر الماضي بأسرع وتيرة في التاريخ. وخسرت هو فانغدي (23 عاما) وظيفتها كبائعة في متجر في أحد المطارات قبل أسبوعين ولم تتمكن من العثور على وظيفة جديدة. وقالت «لم يكن أحد يشتري خلال فترة تفشي الفيروس ولذا سرّحتنا الشركة».
وأما ليلي هان (24 عاما)، التي خسرت وظيفتها كبائعة في شركة متخصصة بالتكنولوجيا الشهر الماضي، فقد أشارت إلى أن عليها العثور على وظيفة خلال شهرين لتتمكن من كسب قوت يومها. وقالت أنها قدّمت تقدمت بأكثر من 300 طلب للحصول على وظيفة لكن دون نتيجة. وبينما لا تزال معظم دول العام عالقة في حرب استنزاف مع الفيروس، يتوقع أن يؤثّر الوباء بشكل كبير على طلب المنتجات الصينية. وأفاد محللون لدى شركة الخدمات المالية «نومورا» اليابانية أن البلد قد يخسر نحو 18 مليون وظيفة في قطاع التصدير، أي ما يعادل نحو ثلث القوة العاملة في هذا المجال. ورأى لويس كويغيس من «أوكسفورد إيكونوميكس» الاستشارية في لندن أن هذا الارتفاع في عدد العاطلين عن العمل سيشكّل ضربة كبيرة للاستهلاك، والذي هو قوة الدفع الأساسية لنمو الصين. وبدأ العمال والشركات يشعرون بالضائقة مع نفاد السيولة. وقال العامل في مجال البناء تشاو (28 عاما) أن شركته توقفت عن دفع الرواتب منذ فبراير/شباط. وأضاف «لدي قروض سكن وإئتمان عليّ دفعها (…) باتت عائلتي حاليا تدفع قرضا سكنيا وأعمل بدوام جزئي لأتمكن من تغطية تكاليفي اليومية… لذلك أشعر بقلق دائم».
ولم تتمكن بعض الأعمال التجارية من استئناف نشاطها نظرا لبعض إجراءات الإغلاق التي لا تزال مطبّقة. وأكد إريك ليو، مالك حانة ومطعم ماوماوتشونغ في بكين أن المردود ضئيل للغاية إذ لا تزال الأزقة الضيّقة مغلقة.
ومع اعتماده على خدمة التوصيل إلى المنازل، لا تكاد المبيعات تصل إلى نسبة عشرة في المئة مما كانت عليه قبل تفشي الفيروس، مما اضطره إلى خفض رواتب موظفيه. واتّخذت بعض الشركات تدابير استثنائية للاستمرار، تشمل الاكتفاء بدفع الحد الأدنى من بدل المعيشة. وسمحت السلطات للشركات بإلغاء بعض المدفوعات المرتبطة بالضمان الاجتماعي، بما في ذلك المساهمات للرواتب التقاعدية وصناديق البطالة والإصابات الناجمة عن العمل، وهي إجراءات من شأنها زيادة العبء على الموظفين الأضعف. من جهة ثانية تزيد خسارة الوظائف احتمال عودة العمال الذين تم تسريحهم في المدن إلى المناطق الريفية الأفقر وانزلاقهم ثانية نحو الفقر.
فقد عَلِقت العاملة المنزلية ليو سيهوا (49 عاما) في قريتها في مقاطعة آنهوي (شرق) منذ منتصف يناير/ الثاني دون أي دخل أو مخصصات بطالة.
وقالت «يرفض صاحب شقتي في بكين السماح للأجانب (من غير مقاطعات) بالعودة بعد الهلع الذي تسبب به الفيروس». وأضافت «عادت العائلة التي كنت أعمل لديها (…) إلى هولندا ولا أعرف متى سيعودون، إذ أن الصين منعت بشكل مؤقت الأجانب من دخولها».
وللتعويض، تخفف السلطات القواعد المصارمة التي تحكم حياة العمال المهاجرين من الريف الذين يعملون في المدن، ما يسمح لهم بالوصول بسهولة أكبر إلى سوق العقارات والرعاية الصحية والتعليم في بعض المدن الأصغر.
وبالنسبة لتشاو ليتاو، من معهد شرق آسيا في سنغافورة، فقد بات «من الصعب أكثر تحقيق هدف القضاء على الفقر في الوضع الحالي، الذي ما كان من الممكن توقعه». ويحذّر محللون آخرون من إعطاء أهمية كبيرة لتحقيق أهداف غير واقعية. وفي هذا الصدد، أشار كويغيس إلى أن القضاء على الفقر المدقع هو مبدأ «ضيّق» لا يعكس الصورة الاقتصادية الحقيقية، في وقت تسعى الحكومات بجميع الوسائل المتاحة لتظهر أنها حققت أهدافها، أحيانا بثمن باهظ.