انحسر موروث السند والعزوة بإنجاب عدد أكثر من الأبناء في الأسرة الأردنية في بلد انخفض معدل الإنجاب فيه خلال نحو عشرين عاما من 9ر7 الى 7ر2، نتيجة عوامل اقتصادية وصحية ونفسية واجتماعية، بحسب خبراء.
ويرى هؤلاء الخبراء أن انخفاض نسب الإنجاب، مؤشر إيجابي جدا، إذ يفتح مجالا للفرصة السكانية، التي تعني زيادة حجم الفئة العاملة بين سن 15- 64 عاما، والاستفادة منهم في سوق العمل، الا ان ذلك يواجه بقلة فرص العمل وتدني الأجور، إلا أن مدير وحدة الدراسات والسياسات في المجلس الأعلى للسكان علي المطلق، يشير الى أنه “لا يوجد حاليا أي إجابات عن أسباب انخفاض نسب الإنجاب في الأردن، لأن اتجاهات معدلات الإنجاب ما زالت قيد الدراسة من قبل المجلس، وان نشرة إعلامية بالنتائج ستصدر حال انتهاء الدراسة”.
في حين تنفي مديرة مراكز الأمومة والطفولة في وزارة الصحة الدكتورة ملاك العوري وجود أسباب محددة لانخفاض نسب الإنجاب في الأردن، مشيرة الى الحملات التي تنظمها مراكز الامومة والطفولة لتنظيم الأسرة والتوعية وتدريب كوادرها، اضافة إلى تنظيم الملفات والدلائل وتوفر الوسائل تنظيم الحمل.
وفيما يعد انخفاض نسب الانجاب في المملكة مسألة خلافية بين فقهاء الدين بين محلل ومحرم لتحديد النسل حسب أدلة وشروط، يرجحون فيها تحريم التحديد وإجازة التنظيم، يقول رئيس قسم الإحصاءات السكانية في دائرة الاحصاءات العامة أحمد المومني إن متوسط نسبة الخصوبة في الأردن بلغت 7ر2 عام 2018، مقابل 5ر3 عام 2012، مشيرا الى وجود اختلاف بين محافظات المملكة في الإحصائية الأخيرة، اذ يلاحظ أن لدى النساء في محافظة المفرق أكبر عدد من الأطفال بمعدل 1ر4، في حين تقل في محافظتي عمان والكرك لتصل الى 3ر2.
وهناك عدة أراء لأسر عن دوافع الرغبة بالإنجاب أو عدمها، اذ اكتفت منى وزوجها بثلاثة أطفال، نظرا للأوضاع المادية الصعبة ورغبتهما بتوفير حياة كريمة لهم، فيما لا تزال رغبة أسر أخرى بالإنجاب خاصة الذكور موجودة، اذ يقول رشدي إن عائلته تتكون من ثلاث بنات وولد، ولولا منع الطبيب لزوجته من الإنجاب لظرفها الصحي، “لأنجبنا أخا لابني”.
لكن “قلق المرأة العاملة حول رعايتها لمزيد من الأطفال وإرهاقها جسديا ونفسيا، يحد من رغبتها في الإنجاب بشكل كبير، خصوصا وأنها تقضي ساعات طويلة خارج المنزل، والأطفال بحاجة لجهد مضاعف لتربيتهم ورعايتهم”، بحسب استاذة علم النفس الاسري في جامعة عمان التطبيقية الدكتورة منال الصمادي. تقول الموظفة ياسمين انها أنجبت ولدين، لكن المشكلة عدم وجود الوقت الكافي او القدرة على رعاية المزيد من الاطفال وتحمل معاناة تربيتهم، وهو ما يذهب اليه خبراء بالقول انه “لا يصعب قراءة أسباب انخفاض الإنجاب في المجتمع الأردني، فهو يعود لعدة عوامل إما اقتصادية، أو صحية أو نفسية أ و اجتماعية”.
استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور عايد وريكات يقول: إن معدل الخصوبة عند المرأة الأردنية انخفض خلال الفترة من 1979 إلى 2015 من 9ر7 الى 7ر2 وأهم أسبابه الوضع الاقتصادي، والتعليم، والعمل، موضحا أن الوضع الاقتصادي يأتي في المقام الأول، اذ ارتفعت نسب الفقر والبطالة في الآونة الاخيرة، ما أدى الى عزوف العديد من العائلات عن الإنجاب.
وأشار وريكات الى دراسة للبنك الدولي تفيد أن سبب الفقر في الأردن ليس البطالة وإنما تدني الأجور، موضحا انه عندما يتراوح الحد الأدنى للأجور بين 200 و 220 دينارا، فإن هذا الأجر لا يمكن أن يعيل أسرة مهما كانت صغيرة.
ويرى وريكات أن انخفاض نسب الإنجاب يعد مؤشرا إيجابيا جدا، لأنه يفتح مجالا للفرصة السكانية، التي تعني زيادة حجم الفئة العاملة بين سن 15- 64، لأننا نستطيع الاستفادة منهم في سوق العمل، وعلى الرغم من أن الهرم السكاني مقلوب في المجتمع الأردني بالنسبة للدول الاوروبية وأميركا، أي أن الفئة الحاصلة على شهادات تعليمية تحتل أكبر مساحة، لكن يعرقلها عدم توفير الفرص وتدني الأجور.
أستاذة علم النفس الأسري في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتورة منال الصمادي قالت، ان انخفاض معدل الإنجاب لدى الأسرة الأردنية يعود لأسباب نفسية، موضحة أنه في السابق كانت الأسر عبارة عن عائلات ممتدة، متمسكة بموروث السند والعزوة، وكثرة الذكور فيها، أما حاليا فقد أصبحت الأسر مستقلة بقرار بشأن الانجاب أو عدمه.
وأشارت الصمادي إلى عامل نفسي آخر، وهو الخوف من المستقبل، خاصة لدى الأسر غير المستقرة أو غير السعيدة، في ظل ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع الأردني، حيث يتم التفكير في مصير الأطفال حال الانفصال.
إلا أن عميد كلية الفقه بالجامعة الأردنية الدكتور عدنان العساف يؤكد، أن الإسلام جعل الزواج من متطلبات الحياة الأساسية لأنه يحقق أحد الضروريات الخمس التي تحفظ نظام الحياة البشرية وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم شجع على التكاثر في الحديث الشريف “تكاثروا وتناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”، بمعنى الحث على الإنجاب لتحقيق الأهداف الاجتماعية والإنسانية.
وأوضح العساف أن الإنجاب مسألة خلافية بين محلل ومحرم للوقوف عند عدد معين، الا ان الدين الإسلامي يتجه لعدم تحديد الأبناء، أما تنظيم النسل فلم يحرمه، بل حث عليه، لقوله تعالى “وحمله وفصاله ثلاثون شهرا”، ويفهم من ذلك أن هناك حقا للمولود بأن يكون له مدة مناسبة لرعايته وإرضاعه مدتها سنتان تقريبا.
وأضاف، ان كثيرا من الناس يحمل هم الرزق ولذلك لا ينجب كثيرا من الأبناء، موضحا أن “الرزق على الله، وهذا لا يتنافى مع مفهوم الأخذ بالأسباب، لأن الله حث على التكاثر دون تخصيص بغني أو فقير، وهذا يعني أن لكل مولود رزقه الخاص، لكن الناس تتجه نحو الترفيه بشكل لافت”.
وقال، ان هذه الأمور لا تعد مقياسا، وليست من باب الأخذ بالأسباب، ولكن ينقصنا الإيمان والتوكل على الله، بالإضافة إلى أنه نابع عن ثقافة اجتماعية غير صحيحة.(بترا)