اعتمدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) مصطفى وهبي التل “عرار” الذي يعدّ أحد أبرز رموز الشعر الحديث في الأردن والعالم العربي، رمزاً عربياً للثقافة للعام 2022.
وبحسب بيان لوزارة الثقافة، يأتي اختيار (ألكسو) لعرار عملاً بقرار مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي في دورته الثانية والعشرين، باعتماد توصية اللجنة الدائمة للثقافة العربية الخاصة باختيار رموز الثقافة العربية، مشيرة الى أن ممثلي الدول العربية في اللجنة دعموا مرشح المملكة الأردنية الهاشمية، ليكون (رمزاً عربياً للثقافة 2022)، لأهمية (عرار) الشاعر في وجدان الأردنيين والعرب.
وقالت وزيرة الثقافة هيفاء النجار إن “عرار يعد من رواد حركة إحياء التراث في العصر الحديث، ونقَل القصيدة الأردنية من مساحاتها المحلية إلى فضاءاتها العربية، وحملت نصوصه الشعرية الكثير من الإرث التراثي المحلي، وعلاقته الحميمة بالمكان الأردني، ودفاعه المستمر عن عروبة فلسطين”.
وأضافت النجار، ان “الشاعر الراحل كان يمثّل حالةً وطنية ناصعة في احترام الدولة الأردنية المبكّر للمثقفين، من خلال حضوره الكبير في مجلس الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، وهو ما يعكس اهتمام القيادة الهاشمية الدائم وتقديرها لرجال الفكر والثقافة والأدب، فكان بذلك أنموذجًا للشاعر الأصيل والخالد في الوجدان الوطني”.
وأوضحت أن وزارة الثقافة اعتمدت في ترشيحها لهذه القامة من اهتمامها بالرعيل الأول من الأدباء والمثقفين، مثمنة اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لشاعر الأردن “عرار” رمزًا عربيًا، معربة عن تقديرها لأعضاء اللجنة الدائمة للثقافة العربية لقرارهم النبيل في اختيار قامة أردنية رائدة في الشعر والأدب واللغة والتاريخ والترجمة، وقامة أدبية، ومؤسس الحركة الشعرية الأردنية بامتدادها الثقافي العربي والإنساني.
وأكدت أن اعتماد “عرار” رمزاً وعنواناً للثقافة العربية، يعد مفخرة للأردن، وتكريماً للمبدعين الأردنيين، كما يحفز الأجيال من الشعراء والأدباء على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم على أبواب المئوية الثانية لتأسيس الدولة الأردنية، وذلك بالتزامن مع اختيار مسقط رأس الشاعر عرار؛ إربد عاصمة للثقافة العربية، والذي يمثّل فرصة لإعادة إحياء إرثه من خلال البرامج والمشاريع التي تغني البحث في سيرته الحياتية والإبداعية ومواقفه الوطنية.
يُشار إلى أنّ مصطفى وهبي التل وُلد في مدينة إربد في 25 أيار 1899، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، ثمّ سافر إلى دمشق عام 1912، وواصل تعليمه في مكتب عنبر، وتم نفيه منها الى بيروت لنشاطه السياسي.
وفي مطلع العام 1917 سافر بصحبة صديقه محمد صبحي أبو غنيمة قاصداً اسطنبول، لكنه استقر في “عربكير” حيث كان عمه علي نيازي قائم مقام فيها، ليعمل معلماً في منطقة اسكيشيهر واستقال منها في آذار 1919.
وعند عودته إلى الأردن عمل في سلك التعليم مدرسًا في الكرك، ثم حاكمًا إداريًا في وداي السير والزرقاء والشوبك، وأصبح مدعيًا عامًا، ثم رئيسًا للتشريفات في الديوان الأميري في عهد الملك عبدالله الأول.
وأطلق النقاد على مصطفى وهبي التل لقب (عرار) شاعر الأردن لما حاز من ريادة شعرية أسست للقصيدة التقليدية الجزلة الرصينة، ولما تنطوي موضوعاتها من انحياز للناس البسطاء والفلاحين، ولما تتمتع من بساطة واستعارة للمفردات اليومية المتداولة، واستعاراته من قاموس اللهجة الدارجة، وتضمينه للأمثال الشعبية في شعره.
وأتقن عرار اللغة التركية والفرنسية والفارسية، وكان أول من حذر في شعره من خطر الأخطبوط الصهيوني الذي سيمتد على خريطة الوطن العربي، وهو ما يؤكد بعد نظره، وكان مؤمناً أن ينبوع الثقافة العربية الذي ترجمه من خلال الكتابة في الصحف والدوريات العربية وقتذاك يمثل قلعة الدفاع عن الحضارة العربية.
وانفتح الشاعر “عرار” وهو والد رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل، على الثقافة العربية من خلال العلاقة التي نسجها مع الأدباء العرب في مصر وفلسطين ودمشق وبغداد وبيروت، كما انفتح على الأدب العالمي، وترجم رباعيات الخيام، فضلا عن اهتمامه بالقضايا الأدبية واللغوية والفكرية من خلال الحوار على صفحات الجرائد والمجلات مع عدد من الكتاب العرب في ذلك الحين، منهم: إبراهيم ناجي، أحمد الصافي النجفي، إبراهيم طوقان، عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، الشيخ فؤاد الخطيب، كما كانت صلته وثيقة ببلاط المغفور له الملك عبد الله الأول ابن الحسين، حيث كانت تجتمع نخبة من الشعراء والأدباء، وتدور بينهم مساجلات ومعارضات شعرية.
وتنوع إنتاجه بين الشعر والتاريخ والدراسة اللغوية والقضايا الفكرية والترجمة، حيث ترك العديد من المؤلّفات مثل ديوان عشيات وادي اليابس، بالرفاه والبنين، الأئمة من قريش، مقالات في اللغة والأدب، وأوراق عرار السياسية.
ومع أنه لم يتح له جمْع أشعاره في كتاب، إلا أن الكثير من الباحثين والدارسين الأكاديميين وطلبة الدراسات العليا والنقاد التفتوا للقيمة الفنية والموضوعات الشعرية لمنتجه إضافة الى حياته الصاخبة، فجمعوا أشعاره وكتاباته بعد وفاته، وكُتب عنه الكثير من الدراسات والرسائل الجامعيّة.
رحل مصطفى وهبي التل “عرار” في الخامس والعشرين عام 1949، ودفن في إربد بناءً على وصيته، وتم تحويل بيته إلى منتدى ثقافي ومتحف.