الفضول ظاهرة يشترك فيها الانسان مع غيره من الكائنات الأخرى. في العديد من المجتمعات البشرية استطاعت الثقافة وقواعد السلوك أن ترسما حدود ما هو مقبول او مرفوض في العلاقات التي تنشأ بين الافراد والجماعات في المواقف والاوساط المختلفة فأصبح غالبية الناس يعرفون ما يمكن ان يقال او لا يقال او ما يعتبر مقبولا او خارجا عن دائرة المسموح في التواصل والتفاعل والسؤال بين الاشخاص في المناسبات والاوساط المختلفة.
مع كل الجهود التي بذلت في هذا المجال فليس مستغربا ان تسمع في بعض المناسبات واللقاءات طلبا من احد المشاركين لآخر بلغة حادة وغير حيادية بالتوقف عن الغوص في خصوصيات الغير. عبارات “خلص” او “بكفي” او “بعدين معك” بعض من ومضات الانذار المبكر التي يجري استخدامها لتنبيه المتحدث ودعوته لوقف الاسترسال في الاسئلة او الاحاديث التي قد تتجاوز الحدود المعقولة للتفاعل الذي تسمح به المناسبة او الحدث.
لا أعرف عدد المرات التي سمعت فيها التعبير الذي يستخدم للنهي بقول “مش شغلك” فقد سمعته صغيرا وكبيرا في القرية والمدرسة وفي الحياة العامة. في بلادنا يحاول الناس السؤال عن كل شيء والتدخل في حياة وشؤون الغير دون دعوة او استئذان ومراعاة لشعور الآخرين او احترام لخصوصياتهم. غالبية الناس لا يعرفون الحدود الفاصلة بين ما هو عام وخاص وبين ما هو شخصي وجمعي وبين ما يمكن ان يقال او لا يقال . البعض يصادفك ويطرح عليك سيلا من الاسئلة قد يذهب بعضها الى اكثر الجوانب خصوصية وقد ينتظر منك اجابات علنية عن كل ما يسأل ويغضب اذا ما تأخرت او ترددت في الاجابة.
الأردنيون يسألون بعضهم بطيبة وبساطة عن احوالهم المادية واوضاعهم الاسرية وعن التزامهم بالعبادات وعادات النوم وأوجه الانفاق والعلاقات مع الاقارب وقد يسألونك عن الصحة والمرض والعلاقات الزوجية وعدد الابناء وغيرها من التفاصيل التي لا تعني شخصا قلما تقابله او قد تراه للمرة الأولى في حياتك.
في كثير من الاوساط يوجد افراد ينشغلون بجمع البيانات عن الناس ويتابعون تفاصيل حياتهم لمستويات تحاصر الاشخاص وتقلق راحتهم.التشابك والترابط في العلاقات يشجع البعض على جمع معلومات عن الغير لاستخدامها في التواصل والتفاعل الذي قد يستمر لساعات طويلة على امتداد الفضاءين العام والخاص. بعكس المجتمعات الغربية, في ثقافتنا يطغى اهتمام الناس بتصرفات وخصوصيات الغير وعاداتهم وتفاعلاتهم على اهتمامات الناس بالاماكن او الافكار والاشياء.
في الوقت الذي يهتم فيه الافراد بخصوصيات غيرهم من المعارف والاصدقاء يتجاهل معظم الأردنيين حقهم في الانخراط بالشأن العام. بالنسبة للكثير من الرجال والنساء والشباب لا تزال قضايا الحكم والادارة العامة ونوعية الخدمات والمشكلات الاجتماعية والضرائب والاجور واسعار السلع وفساد العاملين في القطاع العام موضوعات عابرة لا تستحوذ على اهتمام غالبية الناس ولا يعرفون الكثير عنها.
بالرغم من تأكيد الدستور على ان الشعب هو مصدر السلطات ومع تسجيل الاردن لنسب عالية في الاقتراع الا ان الناخب الاردني لا يهتم كثيرا في البرامج التي يطرحها المرشح ولا يكترث المرشح لتقديم نفسه كمرشح برامج يعرف بالقوانين ويهتم بالشأن العام ويملك القدرة على المدافعة والرقابة والتأثير بقدر ما يهتم بإرضاء أهواء الناخبين واظهار انه معني بمشاركتهم للافراح والاتراح فالعلاقات الشخصية هي الاهم في حسم خيارات الناخب.
إدراك النواب لحقيقة اهتمام الناخب بما هو شخصي اكثر مما هو عام دفع ببعض النواب الى تجنب مناقشة القضايا العامة مع قواعدهم واستثمار الاتصالات التي قد تتم بالاطمئنان على اوضاعهم ومواساتهم ومشاركتهم الافراح والمناسبات. عبارة “مش شغلك” تعبر عن واقع العلاقة بين المواطنين والشأن العام.
الموضوع السابق
الموضوع التالي