كما بدأ الزواج بالتفاهم والمودة والإحسان، يُفترض أن ينتهي إذا استحالت إمكانيات استمراره بالتفاهم والإحسان وهو المبدأ الأخلاقي/ الاجتماعي الذي شرعه الله سبحانه في محكم كتابه بالآية الكريمة “الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”.
ففي مقابل من يخالفون هذا المبدأ الديني الأخلاقي في “أبغض الحلال”، هناك آخرون يقررون بقناعتهم الطلاق بإحسان وتراضٍ كما بدأت العلاقة أول مرَّة، إقرارا بحقوق الزوجة والأبناء وبما يضمن لهم حياة كريمة، وهو ما يُطلق عليه “الطَّلاق بالحسنى”.
أحد القضاة (فضَّل عدم ذكر اسمه)، يروي أنَّ زوجين حضرا إليه بمعاملة طلاق سوية مشفوعة بإقرار الزوجة التنازل عن جميع حقوقها، إلَا أنَّ الزوج رفض وطلب من القاضي “تثبيت حق الزوجة بالمهر المؤجل والمسكن ونفقة الأبناء”.
وأضاف القاضي في روايته، إنَّه “طلب منهما أن يمنحا نفسيهما وقتًا آخر، عسى أن تزول أسباب الطلاق لكنَّ ذلك لم ينجح وانتهت العلاقة بين الزوجين بالطلاق الرَّسمي”، معتبرا ذلك الأقل ضررا على الزَّوجة والأبناء كي تستمر حياتهم بشكل صحي وسليم.
وبرصد ظاهرة الطَّلاق بالاتفاق خارج أروقة المحاكم، حيث أظهرت أرقام دائرة قاضي القضاة أن نسبة الطلاق الرِّضائي بالاتفاق بين الزوجين تبلغ 60 بالمئة من مجموع حالات الطلاق المسجلة في المملكة، مشيرة الى أن هذا النوع من الطلاق هو الخيار الأكثر رغبة من اجمالي حالات الطلاق.
كما أشارت الأرقام إلى أنَّ نسبة قضايا التفريق القضائي بموجب دعاوى قضائية بلغ 23 بالمئة من اجمالي حالات الطلاق، أما نسبة حالات الطلاق التي يوقعها الزوج بإرادته المنفردة فكانت 16 بالمئة من مجمل الحالات، فيما بلغت نسبة حالات الطلاق “الرجعي” 2 بالمئة و 1 بالمئة تفريق للافتداء وهو ما يعرف بالمخالعة القضائية.
وقال النَّاطق الرَّسمي باسم دائرة قاضي القضاة الدكتور أشرف العمري إنَّ الطلاق الرضائي أو بالاتفاق هو التفريق الذي يقع بين الزوجين من خلال اتفاق بينهما على الطلاق وبدله، ومن صوره القانونية الطلاق على مال أو مقابل الإبراء أو المخالعة الرضائية ويتم بالقبول والإيجاب بين الزوجين أمام القاضي فيقع الطلاق به بائنا على ما اتفقا عليه ووفق شروط وضوابط خاصة.
واكد أنَّ من أهم ما يميز هذا الشكل من الطلاق هو الاتفاق بين الزوجين على إنهاء الرابطة الزوجية دون اللجوء الى المخاصمة القضائية ورفع الدعاوى وما يترتب عليها من جهد ووقت وكلف مالية وأعباء معنوية قد تثقل الطرفين وتنعكس سلبا على الأبناء إن وُجدوا وذلك حال نشر النزاع أمام المحاكم.
ولفت العمري إلى أنَّ الزوجين يصلان إلى اتفاق على الطلاق في الغالب بعد مشاورات ومباحثات أسرية خارج اطر التقاضي أو من خلال المحامين، انتهاء الى مرحلة مراجعة المحكمة لتسجيل الاتفاق وإنفاذه وهنا يكون دور المحكمة توثيق وتسجيل الطلاق بعد التأكد من حيثيات الاتفاق وفهم الأطراف لمدلولاته وآثاره وذلك اذا تعذر الإصلاح بين الزوجين بعد بذل الجهد من خلال مكاتب الإصلاح الاسري المنشأة ضمن اختصاص المحاكم الشرعية في مختلف مناطق المملكة.
واشار إلى أنَّ دائرة قاضي القضاة والمحاكم الشرعية تضطلع بمسؤولياتها الشرعية والوطنية والقانونية من خلال الدور الذي يقوم به القضاة الشرعيون وأعضاء مكاتب الإصلاح الأسري سعياً لرأب الصدع داخل الأسرة، كما يسهم المعهد القضائي في نشر الثقافة الشرعية والقانونية من خلال دورات تأهيل المقبلين على الزواج التي تعقد في مناطق المملكة كافة.
وأوضح أنَّ قانون اصول المحاكمات الشرعية نصَّ على وجوب تحويل المحكمة طلبات تسجيل الطلاق الى مكاتب الإصلاح الأسري التي تقوم بدورها بإحالة النزاع الى هيئات الإصلاح المشكلة فيها من خلال متخصصين في المجالات الشرعية والقانونية والاجتماعية والنفسية.
وبين العمري أنَّ لدى هذه المكاتب صلاحية استقبال الحالات مباشرة دون تحويل من المحاكم وذلك لتقديم الإرشاد والتوعية للزوجين وكان لهذه المكاتب وفق الإحصاءات الرسمية دور واضح في تقليل حالات النزاع والوصول الى اتفاقيات رضائية بين الأطراف أو التوصل الى الصلح بين الزوجين بأقصر الطرق وأقل الكلف المادية والنفسية.
وبين أنَّ الحالات التي نظرتها مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري خلال العام 2021 في مختلف الموضوعات التي تدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية بلغت 60 ألفا و399 حالة بزيادة نسبتها 25 بالمئة، مقارنة بالعام 2020، موضحا أنَّ عدد اتفاقيات الصُّلح التي نظمتها تلك المكاتب بلغ 25 ألفًا و377 اتفاقية بزيادة نسبتها 26 بالمئة مقارنة بالعام 2020، وعدد الحالات التي تم فيها إصلاح الأطراف المعنية دون حاجة إلى تنظيم اتفاقية بينهم بلغت 6 آلاف و766 حالة وبزيادة نسبتها 34 بالمئة عن العام السَّابق.
وقال، إنَّ عدد حالات الطلاق الكلية التي سجلت في المحاكم الشرعية خلال العام 2021 بلغت 28 ألفا و703 حالات، لافتا إلى أن نسبة الطلاق من زواج العام 2021 بلغت 8ر5 بالمئة، فيما بلغت نسبة لطلاق لكل ألف 9ر1 بالمئة تقريبا وذلك حسب المعيار العالمي المحدد وفق نسبة لعدد السكان .
وفيما يتعلق بأنواع الطلاق الأخرى، قال العمري، إن إن الطلاق يمكن ان يتم بإرادة الزوج المنفردة وبقرار منه، وهنا يتحمل الزوج التبعات المالية كاملة فهو ملزم بأداء كامل المهر؛ معجله ومؤجله، ونفقة العدة والتعويض عن الطلاق انْ ثبت تعسفه فيه.
وأشار الى ان الأرقام تبين أن هذا النوع من الطلاق لا يشكل خيارا أمثل للأزواج خاصة المرأة التي لا تفضل هذا النوع من الطلاق الذي لا خيار لها فيه حتى وإنْ حصلت على جميع حقوقها المالية، كما أن الطلاق اذا وقع خارج المحكمة لا يعطي فرصة للإصلاح والتوفيق بين الزوجين بسبب أسبقية وقوع الطلاق وهنا يستلزم “الرجوع عنه”.
وهناك نوع آخر من الطلاق أن تطلق المرأة نفسها إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج وأعطيت ما يسمى “شرط العصمة” بعقد الزواج، مشيرا الى ان أعداد هذا النوع من الطلاق قليلة جدا وذلك لأن عقود الزواج المتضمنة “شرط العصمة” قليلة جدا اضافة الى انه ليس كل زوجة اشترطت ذلك تستعمل هذا الحق.
وتبين الاحصاءات أنَّ معدل نسبة الطلاق قبل الدخول من حالات الطلاق التراكمي التي تسجل بغض النظر عن سنة الزواج تصل الى حوالي ثلث الحالات سنويا، وأنَّ نسبة المطلقات اللواتي يتزوجن من جديد هي أكثر من نسبة المطلقين، بحسب العمري.
من جانبه قال المستشار الأسري الدكتور خليل الزيود إنَّ من الضروري التواصل مع استشاري شؤون اسرية اثناء الخلافات لأنه الأقدر على تجفيف منابع المشاكل قبل تفاقمها، اضافة الى قدرته على تشخيص المشكلة وحل الخلاف بناء على أسس علمية لا عاطفية.
ورأى أنه إذا كان الطلاق خيارا لا رجعة فيه، فالأفضل أن يتم بالاتفاق والتراضي لحفظ حقوق جميع الأطراف وهم الزوج والزوجة والأبناء، داعيا الى عدم استغلال الظرف الاقتصادي او الاجتماعي لأيِّ أحد من الشريكين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي او من خلال الضغط النفسي وعدم زج الأطفال في المشكلة.
وأوضح أنَّ الانفصال بالتراضي يعكس اثرًا ايجابيا وصحيا كبيرًا على الزوجين، ويمنح الطرفين فرصة الرجوع عن الطلاق فيما بعد أو تكرار تجربة الزواج ثانية بدون تاريخ مليء بالضغوطات النفسية وتداعيات النزاع.(بترا-إيمان المومني)