تحية للجيش في عيده .. هيبة الوطن وعنوان أمنه واستقراره
شارك
يحتفل الأردنيون، والجيش العربي، في يومي التاسع والعاشر من حزيران/يوينو من كل عام، بمناسبات وطنية عظيمة، وهي يوم الجيش، وذكرى الثورة العربية الكبرى، وعيد الجلوس الملكي؛ إذ يستذكر الأردنيون وأحرار الأمة البطولات والتضحيات الجسام التي قدمها الجيش العربي المصطفوي، التي قادها الهاشميون أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث، فكانت هذه الثورة البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها.
والعاشر من حزيران/يونيو، هو ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش العربي، يخطر في البال عند ذكرهما الأحداث العظيمة في تاريخ هذه الأمة؛ عندما وقف الهاشميون وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، وقادوا الأبناء في أعظم ثورة شهدها التاريخ السياسي العربي الحديث؛ شكلت البداية الأولى لنهضة الأمة العربية، والخطوة الأولى على طريق تحررها ووحدتها.
لقد مثلت الثورة منعطفا تاريخيا انتقل معه العرب من حالة إلى حالة، بعد نحو أربعمئة عام من الحكم العثماني الذي طال كل مناحي حياة الأمة العربية، لم يشهد فيه العرب أي تقدم يذكر، ولا حتى مساواتهم بغيرهم، أو إعطائهم أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ لذلك كان أفق هذه الثورة هو الوطن العربي بأكمله، شارك فيها أحرار العرب من معظم أقطار المشرق العربي، تحقيقا للإرادة العربية الحرة، وتأسيس دولتها العربية المستقلة، وهو ما شكل البعدين السياسي والقومي للثورة العربية الكبرى.
ولبى الشريف الحسين بن علي نداء أحرار العرب؛ ليكون قائدا للثورة ضد الظلم والاستبداد ونصرة للدين؛ فحمل شريف مكة لواء الثورة ورسالة نهضتها وآمال اليقظة العربية، لتحقيق الرفعة والكرامة والحياة الفضلى لكل العرب؛ فتمت المبايعة وتنادى الأحرار من كل صوب وحدب، ونسوا -كما هي عادة العربي الأصيل- مر العيش، وركنوا الجوع والمرض والفقر، وجعلوا منها سيوفا وخيولا تحمل فوق أسنتها وأعناقها أمل كل عربي يحلم بالحرية والاستقلال والكرامة، وما تأخر أنجال الحسين بن علي عن حمل هذا الشرف والرسالة مع والدهم؛ فكانوا الوزراء والسفراء والقادة، وقبل هذا وذاك كانوا أمراء الحرية، وسدنة البيت الحرام مسرى جدهم ومهبط الوحي، ومنبت الرسالة الممتدة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن هنا كان الاختيار لهذا البيت مكانا لانطلاق ثورة العرب امتدادا لرسالة الإسلام والسلام والمحبة والحرية.
فلم تكن الثورة العربية الكبرى وليدة لحظات أو تلبية لنزعات شخصية، بل كانت تراكمات كثيرة من الاستعداد والتحضير والتفكير في كل ما يمكن أن تواجهه من معوقات، وكل ما يجب أن يتم تحضيره على كل المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعندما كانت الظروف التي يعيشها العرب في ظل الدولة العثمانية لا تمكنهم من القيام بهذه الثورة؛ وهم الذين لا يملكون من مقوماتها المادية إلا الشيء اليسير، ولكنهم كانوا يملكون الإرادة والتصميم والتحدي، ومن هنا ونظرا للمتغيرات السياسية الكثيرة على الساحة الدولية آنذاك، كان لا بد من التحالف مع إحدى الدول الكبرى، وهو ما اتفق عليه أحرار العرب في مؤتمر دمشق 1915.
وتمكن الشريف الحسين، وبنوايا المسلم الصادق والعربي الأصيل، أن يأخذ وعودا بريطانية بتقديم المساعدة للعرب في هذه الثورة؛ للحصول على استقلال بلادهم ونيل حريتهم، ولكنها (أي الدول الحليفة) كانت تظهر شيئا وتضمر أشياء كثيرة اتسمت بالخيانة والغدر الذي لم نتعود عليه في حياتنا الإسلامية العربية الأصيلة، وتمثل هذا الغدر بوعد بلفور وسايكس بيكو.
لم تنته خيانات الحلفاء ومساوماتهم حتى بعد انتهاء الثورة وتحقيقها لبعض أهدافها، بل استمرت في صور أخرى وصلت إلى تغيير مجرى الأحداث من مواجهات مع الجيش العثماني إلى مواجهات مع الجيش الفرنسي، وتقاعس واضح ومخطط له، وسكوت عن الحق من الجيش البريطاني؛ عززه تحالف بريطاني فرنسي صهيوني لتقسيم البلاد العربية والانتداب عليها واستغلال ثرواتها، حتى وصل الأمر إلى طرد من قادوا ثورتها خارج البلاد التي ارتوت من دمائهم، وتردد في شعابها صهيل خيولهم، وأبعدوا رمز الوحدة والحرية والاستقلال “الحسين بن علي” ولا يزال صدى صوته ينبعث بعد عقود من الزمن، ويبشر بقدسية الرسالة “إنني أحب قومي وبلادي وديني أكثر من أي شيء في هذا الوجود” مقولة ستبقى تذكي في نفوسنا معاني التضحية والفداء، ومعاني الحرية والوحدة والاستقلال، وستبقى تبعث في هذه الأمة ما يكفل لها البقاء والتماسك أمام كل المتغيرات المتسارعة، عصية في وجه مختلف الصعوبات والتحديات.
ويأتي الاحتفال بهذه المناسبات الوطنية الغالية تأكيداً لتعزيز المنجزات ومواصلة بناء الدولة، حيث يستذكر الأردنيون وأحرار الأمة البطولات والتضحيات الجسام التي قدمها الجيش العربي المصطفوي، وقد قاد الهاشميون أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث، حيث كانت هذه الثورة البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها.
وحين نتحدث في مثل هذه المناسبات فإننا نتحدث عن تاريخنا القومي الحديث الذي كانت فيه الثورة العربية منطلق مسيرتنا الخيرة والمرجع الذي يجمعنا والرسالة التي نحملها، لقد كانت فكراً قومياً توحد على يد قائد هاشمي فامتد عبر السنين والأجيال يوجه مسيرة أمة ويرسم لها معالم آمالها وأحلامها وتطلعاتها.
القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي هيبة الوطن وعنوان أمنه واستقراره الجيش العربي الأردني وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، وهو الامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطاً عضوياً وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الأمير عبدالله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920 في معان بعد أن كان لها الدور الكبير في عمليات الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من بطحاء مكة على يد الشريف الهاشمي الحسين بن علي عام1916.
شكل الجيش العربي ركناً أساسياً من أركان الدولة الأردنية، وكانت له مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة، وكان ينمو مع نمو الدولة ويتطور بفضل الرعاية الهاشمية المتواصلة منذ عهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين الذي أراد له أن يكون جيشاً عربياً مقداماً يحمل راية الثورة العربية التي استمدت ألوانها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين، ومن ثم أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد جلالة المغفور له بإذن الله الملك طلال بن عبدالله وجلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال وصولاً إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه الذي أكمل المسيرة ووصل بالأردن وجيشه المغوار إلى مراتب التميز.
بدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وبعد تشكيل أول حكومة أردنية في إمارة شرق الأردن تم تأسيس أول قوة عسكرية بلغ قوامها 750 رجلاً من الدرك والمشاة النظامية والهجانة سميت بالقوة السيارة، وتولى قيادتها الكابتن البريطاني فريدرك بيك، وكانت أولى مهامها توطيد الأمن والاستقرار في البلاد، وتولى سمو الأمير عبدالله منصب القائد العام للجيش، وعمل عندها على تنميته وتزويده بالأسلحة وفق الإمكانيات التي كانت متاحة على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه، وتم تشكيل كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة، وفي عام 1943 وصل تعداد الجيش إلى حوالي 6000 رجل شاركوا في الحرب العالمية الثانية في العراق وسوريا، وأعيد تنظيم الجيش وانضوت قواته تحت ثلاثة ألوية بالإضافة إلى الكتيبة الرابعة وحاميتين، واستمر الجيش بالتطور إلى أن وصل تعداده عام 1945 نحو 8000 جندي وضابط، وكان منظماً في 16 سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من ألفي رجل.
وفي الخامس والعشرين من أيار 1946 حقق الأمير عبدالله بن الحسين طموحات الشعب الأردني باستقلال البلاد، وبويع ملكاً دستورياً عليها، وظل جلالته يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك.