عوض الصقر
عادة يلجأ المسؤولون في مختلف دول العالم بعد تنحيهم عن السلطة أو إحالتهم على المعاش إلى كتابة مذكراتهم بأسلوب لا يخلو من التضخيم والمبالغات والحديث عن أمجاد ومواقف بطولية ربما لم يكونوا مارسونها أثناء فترة وجودهم في السلطة ومواقع صنع القرار.
ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع هو ما قرأته في وسائل الإعلام العالمية أن آخر رئيس للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف أصدر كتابا جديدا مؤخرا بعنوان «مستقبل العالم الشامل» أشار فيه إلى أن السياسة العالمية تتجه نحو منحى غاية في الخطورة وأن النشاطات العسكرية العالمية في الوقت الحاضر تحمل سمات حرب كونية بالفعل.. كما أكد أن تحقيق السلام هو الشرط الأساسي لضبط ايقاع المشاكل العالمية، مثل أزمة البيئة والارهاب الدولي والهجرات القسرية واللجوء وكل التحديات الاخرى التي يتركز عليها اهتمام مختلف الدول والمنظمات الدولية.
وربما يعلم الجميع أن الاتحاد السوفيتي تفكك في عهد غورباتشوف وتحول الى ست عشرة جمهورية مستقلة، وهو صاحب نظرية الغلاسنوست والبيريسترويكا وتعني الاولى الانفتاح والشفافية في المؤسسات العامة وحرية الحصول على المعلومات فيما تعني البيريسترويكا إعادة الهيكلة الاقتصادية ضمن برنامج الإصلاحات الاقتصادية الشاملة المنشودة.
وتشير المعلومات إلى أنه تم إشهار الكتاب بمناسبة الذكرى الثلاثين لانهيار جدار برلين في أواخر العام 1989 وانفتاح اوروبا الشرقية على اوروبا الغربية، وهو ما اعتبره المحللون الاوروبيون تهديدا لأسواق العمل وللنسيج الاجتماعي في اوروبا الغربية.
ويشار أن الاتحاد السوفيتي تأسّس في العام 1922م، في أعقاب الثورة البلشفية التي اندلعت في العام 1917 وهو وليد اتحاد عدة دول، هي: (روسيا، وأوكرانيا، وجورجيا، وأذربيجان، وأوزباكستان، وتركمانستان، وفيرغيزستان، وطاجيكستان، ولاتفيا، وليتوانيا، واستونيا، وملدوفا، وروسيا البيضاء، وأرمينيا).
كان تفكك الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991، وهو إشارة لانتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية، وعقب ذلك التاريخ أصدر مجلس السوفييت الأعلى إعلان الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل محل الاتحاد السوفيتي.
وقبيل ذلك التاريخ وجه غورباتشوف خطابا الى شعوب الاتحاد السوفيتي أعلن فيه أنه تم الغاء مكتب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفيتية الإشتراكية وتسليم كافة سلطاته الدستورية بما فيها السلطة على الأسلحة النووية الروسية وشيفرة استخدامها، إلى الرئيس الروسي بوريس يلتسن، وكما هو معلوم فإن روسيا كانت الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي.
على الصعيد الدولي شكل تفكك الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ونهاية حالة التوتر والجاهزية العسكرية والتأهب للحرب بين حلف شمال الأطلسي الناتو الذي يمثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة وبين وحلف وارسو الذي كان يمثل دول الكتلة الشرقية وبالتالي انتهاء حالة العداء المستحكم منذ عقود بين الكتلتين.
وبعد التفكك شكلت الدول الوليدة الناشئة تحالفات من نوع معين بينها مثل المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية والدولة الاتحادية بين روسيا وبيلاروسيا والاتحاد الجمركي الأوراسي والمجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية لتعزيز التعاون الإقتصادي والأمني. في الوقت الذي تحاول فيه بعض دول الاتحاد السوفيتي السابقة الإنضمام إلى حلف شمال الاطلسي لتعزيز استقلالها العسكري والإقتصادي عن روسيا.
وأخيرا أقول، إن شخصية غورباتشوف تمثل الكثير من الشخصيات على مستوى العالم ممن كان لهم صولات وجولات خلال فترة وجودهم في السلطة وبعد أن غادروا مواقعهم، قسرا أو طواعية، بدأوا بكتابة مذكراتهم بشيء من المبالغة وتهويل المواقف والحديث عن المثاليات والأخلاقيات التي لم يكونوا يمارسونها أثناء فترة وجودهم في الحكم، فهل من معتبر؟؟؟.