هل أصبح تقسيم الأقصى وشيكا؟ ما يحدث من وقائع يشير إلى ذلك، أبرزها استنفار الاحتلال واستعلاؤه، وقلة حيلة أمتنا وهوانها، أما التفاصيل الأخرى فمعروفة، ابتداء من العام 1967 حين اغلق المنتصرون الصهاينة أبواب المسجد لمدة أسبوع، إلى العام 2014 حين قدم نواب متطرفون من الكنيست خطة لتقسيم الأقصى، زمنيا ومكانيا، وسحب الوصاية الأردنية عنه، وصولا إلى مشروع قانون «عميت هاليفي»، المتوقع أن يقدم للكنيسة خلال الأيام القادمة، لفرض واقع التقسيم المكاني بالضربة القاضية.
هذه المرة يبدو ان تل أبيب تجاوزت حدود المناورة السياسية والمراوغة فيما يتعلق بتقسيم المسجد الأقصى، فالمشروع يحظى بتأييد اغلبية الكنيسة والحكومة والمعارضة أيضا، بل ربما اجماعهم، والعالم مشغول بحروبه وحسابات مصالحه، حيث القضية الفلسطينية آخر اهتماماته، اما عواصمنا العربية والإسلامية فلم يبق في رصيدها سوى إشهار الإدانة والغضب، يبقى المقدسيون والفلسطينيون وحدهم من يستطيع المواجهة، ومعهم الوصاية الهاشمية التي ما زالت صامدة في وجه الزحف الصهيوني.
هل ما حدث كان مفاجئا ؟ أبدا، في العام الماضي، فقط، تجاوزت أعداد الذين اقتحموا المسجد الأقصى 148 الف صهيوني متطرف، وقبل ذلك بنحو 30 عاما (1994 ) استغلت تل ابيب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل (استشهد فيها 29 وجرح 150 فلسطينيا)، لاقتطاع أكثر من نصف المسجد وتخصيصها للمستوطنين، كانت هذه بمثابة «بروفة» لما سيحصل في الأقصى، وخلال السنوات الماضية بدأت ماكينة الاحتلال بتصدير روايتها عن الأقصى، تاريخا وحاضرا ومستقبلا، لتهيئة الجميع، يهودا وعربا، للتعامل مع صدمة التقسيم الجديد.
من خلال هذه الروايات التوراتية المطعمة بالسياسة وبمذاق « الغيتو» اعاد الاحتلال تعريف المسجد الأقصى، بوصفه محصورا بمبنى الجامع القبلي فقط، وكل ما سواه من ساحات غير مقدس إسلاميا، ثم أجرى عملية تقسيم جغرافي بموجبها اشهر خارطة تضم قبة الصخرة حتى اقصى شمال ساحات الحرم المقدسي، وطبع عليها اسم «الهيكل «، وهي تشكل 70% من مساحة الأقصى التي تبلغ 144 دونما، ولكي تمر الرواية إلى حيز التنفيذ اضاف الاحتلال ضرورة إلغاء الوصاية الهاشمية، وضم القدس لوزارة الاديان، ثم السماح لليهود باقتحام الأقصى من كافة الأبواب.
هل ستمر واقعة التقسيم بأقل ما يمكن من ادانات وضغوطات وتدخلات وردود أفعال ؟ لا ادري، لكن لنتذكر أن صفقة القرن مرت، بما فيها من اعتراف بيهودية الدولة، وبالقدس عاصمة لاسرائيل، وبشطب حق العودة، لنتذكر، أيضا، أن حل الدولتين تم دفنه، وأن أبواب التطبيع أصبحت مفتوحة على معظم العواصم العربية، وأن السلطة الفلسطينية استنفدت أغراضها، فيما المصالحة ما زالت في « جب» رام الله وغزة، أما الفلسطينيون فقد أصبحوا متعبين، مثلهم مثل اشقائهم في عالمنا العربي المسكون بالخوف والدم ومحاولة تضميد الجراح، ما يعني أن استفراد تل ابيب بالأقصى، ومعه المقدسات الإسلامية والمسيحية، اصبح واقعا وشيكا، أو ربما قدرا ربما لن يجد من يدفعه بقدر آخر.
هذه ليست دعوة للاستسلام، أبدا، وإنما صرخة تحذير مشفوعة بالحزن والخوف على قبلتنا الأولى، ومدفوعة لكل من يهمه الأمر في عالمنا العربي والإسلامي للتحرك والاستنفار، دفاعا عن المسجد وكرامة المسلمين. تل أبيب تريدها حربا دينية، وبوسعنا أن ندقق في خياراتنا، إما أن نصمت، او أن نتحرك بكل ما لدينا من أوراق وإمكانيات لإفشال الخطة، هل وصلت الرسالة ؟ أتمنى ذلك.