انصح بكل وضوح ومباشرة، وزير الخارجية، الا يسمح للسفراء من وزارته بالتصريح لوسائل الإعلام حيث يمثلون الأردن، فالكلام محسوب، ولكل كلمة ألف تأويل وتفسير.
إذا كان لابد فليعمم الوزير على السفراء في سفاراتهم بالصمت، أو ينسقون مسبقا مع وزارة الخارجية حول تصريحاتهم، فتتم مراجعتها، هذا إذا افترضنا أن مبدأ تصريح السفير أو اجراء المقابلات يعد واردا، مع علمنا المسبق، ان التحفظ أساسي في وظيفة كل سفير.
سفير الأردن في إسرائيل يصرح لهيئة الإذاعة الإسرائيلية قائلا إن العلاقات بين الأردن وإسرائيل أساسية واستراتيجية، وان هناك تعاونا في عدة مجالات مثل التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب، وهذا كلام لم يقله حتى أكبر مسؤول في الدولة الأردنية، ولا وزير الخارجية ذاته، ويأتي في سياق متوتر أساسا على المستوى السياسي والشعبي في الأردن.
السفير الإسرائيلي في عمّان لا يصرح لوسائل إعلام أردنية، ربما هو لا يريد، وربما يدرك ان لا وسيلة إعلام ستمنحه هذه الفرصة أساسا، لاعتبارات كثيرة على صلة بكلفة التطبيع.
كيف يمكن أن يخرج سفير في سياقات متوترة على خلفية ملف المسجد الأقصى، وملف الغاز، وقضايا كثيرة، ليقول ان علاقة الأردن مع إسرائيل أساسية واستراتيجية ويحدد التنسيق الأمني معيارا في هذه القصة، ومن فوضه أساسا بهذه التصريحات وكأنه يقول إن كل الموقف السياسي والشعبي مجرد فيلم سينمائي، فيما التنسيق الأمني متواصل ومستمر، وهو الأهم والأكثر حساسية بطبيعة الحال، تاركا لنا الخيال لفهم تعبير التنسيق الأمني بطرق ووسائل مختلفة، وهو خيال خصب يتفرد به كل أردني.
العلاقة الأردنية الإسرائيلية تخضع لمستويات مختلفة، وتحفل بالتناقضات، فالتصريحات الرسمية على السن مسؤولين كبار تنتقد السياسات الإسرائيلية، وحتى وزير الخارجية ذاته لا يوفر إسرائيل من نقده في محافل دولية مختلفة، وفي الوقت ذاته يتوتر الجو شعبيا بسبب قضايا الغاز وسجن أردنيين وغير ذلك، وتطل في الوقت ذاته إشارات متناقضة تثبت اننا بوجهين في العلاقة مع إسرائيل، من استقبال الرئيس الإسرائيلي في دارة السفارة الأردنية في لندن وصولا الى قضايا متعددة، ابرزها ما أكده السفير من تنسيق امني مع إسرائيل، إضافة الى التعاون في ملف الإرهاب، وهذا التعاون يحمل تأويلات كثيرة.
القصة هنا ليست قصة شخصية مع السفير، فلا يعرفني ولا اعرفه، لكنني اتحدث عن المبدأ الواجب ضبطه من جانب وزارة الخارجية في عمان، خصوصا، ان الوزير الحالي صاحب خبرة إعلامية ويدرك أساسا قيمة الكلام، وتأويل التصريحات، وكلفة كل كلمة خصوصا في التواقيت التي تبدو ثقيلة وحساسة لاعتبارات مختلفة.
ذهب سفراء قبل ذلك الى إسرائيل، ولم نسمع عنهم خبرا واحدا في وسائل الاعلام الإسرائيلية، واذا كان موقع السفير في تل ابيب لا يستحق المنافسة ولا الحسد، فهو موقع حساس أيضا، بسبب الملفات المعقدة القائمة بين الأردن وإسرائيل، وبسبب وجود السفارة في فلسطين حيث ملايين الفلسطينيين في فلسطين المحتلة العام 1948 والضفة الغربية والقدس، وبسبب الحساسيات التي يمثلها الموقع في وجدان الأردنيين، وكل هذا يفرض حسبة خاصة اكثر تشددا إزاء نشاط وحركة أي سفير ابتلي بالعمل في تل ابيب.
ربما في تصريحات السفير ما هو جيد من حيث حديثه عن دور الأردن في الحرم القدسي، وغير ذلك، إلا أن إقرار مسؤول بشكل علني بوجود تنسيق أمني، في توقيت حساس، لا يكشف جديدا لمن يعرف الخفايا، لكنه يجاهر بما تتحاشى أوساط رسمية في عمان إعلانه صراحة، حيث أن كل التوتر بين الأردن وإسرائيل مرتبط فقط بالعلاقة مع الحكومة الإسرائيلية، لكنه غير قائم على مستوى العلاقات الأمنية واللوجستية الثابتة والمستمرة.
القصة نهاية المطاف، ليست قصة تصيد أخطاء، ولا استهداف أشخاص، هي قصة المنظومة الرسمية التي يفترض ان تعمل بلغة واحدة، فلا يخرج أحد فيها ليقول شيئا، لم يقله الأعلى رتبة منه، ولا الأدنى أيضا، هذا فوق تشبعنا بكل هذه التناقضات ما بين من ينتقد ويهدد إسرائيل بالويل وعظائم الأمور، وآخر يخرج ليتحدث بلغة ناعمة عز نظيرها.
الموضوع السابق
الموضوع التالي