11.1 C
عمّان
الخميس, 21 نوفمبر 2024, 9:40
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

المناهج على المشرحة الشعبية

قبل خمسون عاما افتتحت كلية التربية في الجامعة الاردنية وكان عميدها انذاك الاستاذ الدكتور سعيد التل ..وقد كان اولى خطوات ممارسة الكلية الجديدة للسلطة التي تدلل على ولادتها الشروع بتقسيم الطلبة الذين يدرسون التربية وعلم النفس الى قسمين قسم علم النفس وقسم التربية وقد جاء للاجتماع بنا نحن طلبة الفوج الأول من طلبة الكلية استاذان هما كمال دواني من تخصص التربية ومحي الدين توق” على ما اظن” من قسم علم النفس .

استفسرنا وقتها عن ما الذي سندرسه في التربية فسرد لنا الدكتور دواني مواد الخطة التي تتناول إضافة إلى متطلبات الجامعة والكلية عددا لا بأس فيه من الموضوعات من ضمنها الاساليب والمناهج والتقويم وادارة الصفوف والادارة المدرسية وأساليب تدريس الموضوعات والإحصاء والصحة النفسية وغيرها.

كان الاستاذ الدكتور عبداللطيف فؤاد مصري الجنسية هو الاستاذ المتخصص في المناهج وقد الف فيها كتابا ضخما شكل مرجعا اساسيا لعلم المناهج وأساليب وضعها وقد.كنا نستمع لكل ما يقول بعناية ولا اظن انه كان يشعرنا بالملل بالرغم من تقدمه في السن وشعوره الزائد بالثقة والتفوق.

في ذات الوقت كان الحديث في فلسفة التربية والسياسات التعليمية الموضوع المفضل لدى الاستاذ الدكتور سعيد التل الذي كان يرى نفسه اكثر من استاذ جامعي فقد بقيت روح شقيقه الاعز وصفي التل ساكنة في وجدانه وتتبدى كلما طرح موضوع يرتبط بالسياسة حتى وان كان على مستوى التنشئة ومجالس التعليم والفلسفة والاهداف التربوية والخبرات…

لا اظن اني سمعت احدا يكرر مصطلح الإنسان الذي نريد اكثر مما سمعت الدكتور سعيد التل كان يعيده على مسامعنا في كل المناسبات التي نراه فيها ..كنت انظر اليه كمتعهد لملف التعليم اكثر من استاذ يعطي عددا من المساقات ويتجول في جنبات المبنى مطلا على الصفوف.



كان يفعل ما يقوم به رئيس الجامعة عبدالسلام المجالي انذاك. كما كان المرحوم الدكتور أحمد أبو هلال يطل على الصفوف كما يفعل مدراء مدارس الارياف . لقد كان مملوءا بالزهو الذي قد يتحول إلى غطرسة لا نعترض عليها فقد كان رئيس القسم الذي تسمع صوته في كل ارجاء المكان ولا تخلو محاضراته من التهكم الذي يذكرنا بالاباء واساليبهم فقد كنا نهابه ونخشى ان لا نكون قد مررنا على كل القراءات التي حددها لمادة الانثروبولوجيا من مراجع ليست كلها متاحة.

كانت موضوعات مادة علم الإنسان جديدة و مثيرة ومشوقة وتتحدى في كثير من الاحيان القناعات التي شكلناها عن الإنسان والوجود والكون السبب الوحيد اننا لم ننفر من قساوة الاستاذ و نشكو من غرابة المادة يعود إلى كون احمد ابو هلال يشبهنا ويشبه آبائنا في جلافتهم.

لم نشعر انه مستشرق او ناقل بل كان يقدم الموضوع ويتناوله كما ولو ان الذي يتناوله والدي او احد كبار القرية .كان يتحدث بلهجة بدوية بالرغم من انه من ابناء ابو ديس الواقعة شرق القدس والتي بقي الجميع يضمر ان الفرق ما بين عاصمتها القدس وفي القدس تعني المسافة بين القدس وابو ديس.

المهم اننا تعلمنا في السنوات الاربع التي درسناها وبعدها في برنامج الماجستير الذي التحقت به في مادة المناهج والأصول.. الى ان المناهج لها فلسفة ولها أهداف وان المحتوى او الخبرات التي تضمن في المنهاج لا تأتي عبثا بل لاكساب المتعلمين معارف ومهارات واتجاهات وسلوك اشتقت أهدافها من الفلسفة التربوية وفلسفة المناهج.

لقد استغربت كثيرا ومنذ سنوات فكرة الاصرار على ايجاد مركز خاص للمناهج…ولماذا الاصرار على إلحاق مفردة وطني بالاسم …اوليس كل المؤسسات التربوية وغير التربوية وطنية ….ولماذا جرى تاسيس مركز خاص بالمناهج غريب عن جسم الوزارة بعدما كانت دائرة المناهج تتغذى من الخبرة الكلية للوزارة …

لقد ادهشني اختيار شخصيات سياسية لإدارة ورئاسة وتنفيذ الصياغة والتعديل .صحيح ان الشخصيات كلها وازنة ومحترمة لكن علاقتها المباشرة بفنيات واساليب وضع المناهج ليست بمستوى معرفة وفنيات التربويين الذين كانوا يقومون على هذه المهمة …

دخول مراكز راند وكولنز على خط تطوير المناهج في بلد فيه عشرات الالاف من خبراء يجوبون فضاء الجامعات ومعاهد التدريب في بلدهم والعالم والتصريحات التي تتطاير محليا واقليميا وتبجح الصهاينة بانهم تدخلوا في مناهج العديد من الدول العربية وغيروا في بنيتها مقرونا بزيادة التصريحات التي يهددون فيها الاردن مستندين الى فكر وتفسير توراتي بأن الارض لهم ويغيرون كل ما تطاؤه أقدامهم أمور تبعث على الخوف والتوتر ..

نعرف جميعا أن المناهج تحتاج الى تطوير دائم لكن لم يشرح لنا احد الفلسفة ولا الأهداف ولا اسباب استبدال مواد بأخرى وتخفيف محتوى وإضافة محتوى جديد. لا يمكن لأحد أن يفرض محتوى جديد على امة لاتريد وكل الفلسفات التربوية والأصول تدعو الى إشراك الاهالي في المناهج وربطها بالارض والانسان والتاريخ لتحافظ المجتمعات على هوياتها من الاقتلاع والتجريف.

لا اظن ان وجود سميرة توفيق وذكرها كمثال على الاغنية الوطنية يشكل مشكلة كبيرة لأي مجموعة او فئة ولا نقبل ان تكون مشكلة فكل الذين نجحوا في الانتخابات البرلمانية طربوا للحن “حنا كبار البلد ” وبعضهم رقص للحن الذي عبر عن نشوة النصر …
المشكلة الحقيقية تكمن في ان العمل في المناهج التي تهمنا جميعا يجري على نفس طريقة الهيئات والمجالس التي نشأت تباعا لتقوم باعمال ومهام كانت تقوم بها اجهزة بيروقراطية تحوي كوادر قادرة ومؤهلة كانت وراء منجزات نعتز بها ….

وفي عدم صدور توضيحات ورسائل واضحة ممن يتولون التحديث التربوي تجيب على أسئلة لماذا وكيف ولاي حد يتم هذا التغير وما المرتجى من هذا التغيير وكيف سيتم قياسه.

Share and Enjoy !

Shares