11.1 C
عمّان
الخميس, 21 نوفمبر 2024, 9:40
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

خطاب الملك في الجمعية العامة للأمم المتحدة

ألقى جلالة الملك خطابه السنوي في افتتاح الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تجتمع هذه الجمعية في دورة عادية تبدأ يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث من شهر أيلول في كل عام، عملا بالمادة (20) من ميثاق الأمم المتحدة وأحكام النظام الداخلي للجمعية العامة الصادر استنادا للمادة (21) من الميثاق الأممي.

وكالعادة، فقد كان الرئيس البرازيلي هو المتحدث الأول الذي يلقي كلمته في الاجتماع السنوي، حيث ترسخت هذه الممارسة الدولية خلال السنوات الأولى من عمر الهيئة الدولية، عندما كانت البرازيل هي أول دولة تطلب الحديث أمام الجمعية العامة، وذلك بسبب تردد باقي الدول الأخرى في القيام بذلك، وقد بقي هذا التقليد الأممي حتى يومنا هذا. ثم تلاه في ترتيب الكلام الرئيس الأمريكي باعتباره حاكم الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة في نيويورك.

إن الوصف العام لخطاب جلالة الملك أنه قد جاء ساخطا بكلامه وحادا في انتقاده للممارسات الإسرائيلية، محملا حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عما يُرتكب من مجازر دموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ترقى إلى اعتبارها جرائم ضد الإنسانية جرى إدانتها من قبل محكمة العدل الدولية، التي اعتبرت أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو سلوك غير مشروع وفق القانون الدولي، ويتعارض مع الحقوق الأساسية المقررة للفرد بالعيش بحرية وسلام وطمأنينة.

وقد حرص جلالة الملك وفي بداية خطابه على توضيح خطورة الأوضاع الحالية التي تعصف بالعالم اليوم بقوله “أنه طالما قد وقف على هذا المنبر والصراعات الإقليمية والاضطرابات العالمية والأزمات الإنسانية تعصف بمجتمعنا الدولي وتختبره، إلا أنه لا يذكر وقتا أخطر مما نمر به الآن”. فاسرائيل كما وصفها جلالة الملك لا تريد السلام، وأن حصانتها من تطبيق القانون الدولي عليها والتي امتدت لعقود من الزمن قد أصبحت أسوأ عدو لها، “فلسنوات امتدت الأيادي العربية إلى اسرائيل عبر مبادرة السلام العربية وأبدت استعدادها للتطبيع معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تختار المواجهة ورفضت السلام”.

وفي رده على أية أفكار أو مشاريع يخطط لها الكيان الإسرائيلي تخص دفع الشعب الفلسطيني إلى الخروج من مدنه وقراه، كان جلالة الملك حازما أكثر من أي وقت مضى، حيث أعلن وعلى الملأ أمام المجتمع الدولي رفضه المطلق لفكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدا بأن الأردن لن يكون وطنا بديلا، وبأنه يرفض فكرة حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، فأي محاولة لنقلهم خارج حدود دولة فلسطين تعد جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

ودعا جلالة الملك دول العالم إلى التعاون مع الأردن خلال الفترة القادمة لإيجاد بوابة دولية تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية بأشكالها المختلفة إلى الشعب الفلسطيني، فأقسى ما يمكن أن يختبره الطبيب هو أن يشاهد مريضه يحتضر وهو عاجز عن علاجه بسبب نقص الدواء والغذاء.

واستحضر جلالة الملك في نهاية كلامه موقف والده المغفور له الحسين بن طلال رحمه الله الذي ألقى خطابه في الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة، والذي دعا فيه دول العالم إلى التحلي بالشجاعة واتخاذ قرارات تاريخية تضمن تحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط.

في المحصلة، فإن هذا الخطاب التاريخي لجلالة الملك في هذه المرحلة الحرجة سياسيا يعتبر فرصة حقيقية لتذكير هيئة الأمم المتحدة بأنها مقصرة في فرض نفسها كجهة دولية تُعنى بالأمن والسلم الدوليين، حيث وصفها جلالته بأنها “تواجه أزمة تضرب في صميم مشروعيتها وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية، وبأنها تتعرض للهجوم بشكل فعلي ومعنوي وتواجه أزمة تضرب في صميم شرعيتها”.

إن هذه الهيئة الأممية قد أصدرت العديد من القرارات الدولية منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي اعترفت فيها بحقوق متساوية للشعب الفلسطيني بأن ينعم بالسلام والكرامة والأمل، فهذه القرارات قد صوّت عليها قادة دول العالم الذين تقع عليهم مسؤولية قانونية وأدبية بأن يضمنوا تنفيذها، وذلك ضمن الأطر المتاحة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

فأحد أبرز المبادئ التي تأسست عليها هيئة الأمم المتحدة هو حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وبسط سيادتها على مواردها الطبيعية، ولا يمكن اقرار هذا الحق لشعوب العالم كافة وإنكاره بالنسبة للفلسطينيين. ففي الوقت الذي يرى فيه العالم الإسرائيليين يندفعون في التعبير عن هويتهم الوطنية والدفاع عنها، لا يزال الفلسطينيون محرومين من ممارسة الحق ذاته في التعبير عن هويتهم الوطنية ومطالبهم المشروعة في العيش بحرية وطمأنينة.

* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com

Share and Enjoy !

Shares