ابدأ مقالي بإرسال تحية الاحترام المقترنة بصبر المتألم الى أولياء أمور أبنائنا الطلبة، … على مدى أسبوعين على بدء العام الدراسي كانت ساحات مدارسنا في انحاء البلاد كئيبة وفارغة من الطلاب والطالبات وكان الامل ومع بدء عامنا الدراسي الحالي ان تزدان مدارسنا بمن وجدت من أجل تربيتهم وتعليمهم وهذا موجع لنا جميعا للحكومة وللمعلمين والمعلمات قبلنا…
يا سادة … بعيدا عن العواطف أقول وقد فاض حبر قلمي ليخرج الى العلن من شدة الغضب الممزوج بالعتب على الكثير من القوى السياسية ” المزعومة ” هذا ان وجدت ، وهم الذين كنا ننتظر منهم للوقوف على مسافة واحدة بين المعلم ” موظف الحكومة ” و ” الحكومة ” صاحبة الرعاية الأولية على الوطن الشعب والحجر والشجر، وكنت اعتقد وقد خاب ظني بالأحزاب والتي طاف عددها أيام الشهر بعشرين والذين كان من المفترض ان يلبُّوا نداء الوطن عند ظهور اول ازمة وهو ما تضمنته انظمتهم الداخلية المنسوخة، حيث لا مناقشة ولا إبداء رأي صريح ولا نصيحة مخلصة وكلهم اختفى بانتظار الفائز في كسر العظم ما بين الحكومة والمعلمين …
يا سادة … الجلوس إلى مائدة التفاوض يستدعي تبادل الآراء لسرعة إيجاد الحلول لهذه القضية العرضية، مثلما يستدعي تهيئة الأجواء السياسية بتوحيد الجبهة الداخلية لدرء التدخلات الأجنبية، وهي تهيئة لا تتم إلا بقيام الحكومة بسماع وجهة النظر التي تصر عليها نقابة المعلمين وأخذها في الاعتبار والعمل على إيجاد الحل الناجع من لدن دهاقنة الإدارة ونطاسي التشريح السياسي وان يكون الحل وفقا لأجندة وطنية لإسعاف البلاد وإخراجها من الأزمة الوطنية التي تشهدها وما قد يترتب عليها من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية، آخذة بالتفاعل والتفاقم مع مرور الأيام، وأنه قد حان الوقت لأن يجلس الجميع وان يستمعوا لبعضهم البعض والتخلي عن الانفراد بالقرار الوطني وإقصاء الآخرين والتمترس خلف الاجندات والرؤى المتزمتة، ويتجاوز النهج في سبيل مواجهة المخاطر التي تواجه الوطن وتتهدد كيانه ووجوده.
يا سادة … ماذا جرى والذي سيجري!، حيث خيّم الصمت على مدارسنا وعلى امتداد البلاد في طولها وعرضها بعد أن انهى إضراب المعلمين أسبوعه الثاني، رغم المحاولات المكثفة لحلّ الأزمة، رئيس الحكومة الرزاز دعا الطلبة إلى التوجه لمدارسهم يوم الأحد الماضي في بداية هذا الأسبوع، وأكد الرزاز على ضرورة متابعة التطورات الميدانية في المدارس، وتركيز العمل على خدمة الطلبة وتسهيل وصولهم للمدارس، لأنهم أساس وهدف العملية التربوية والتعليمية ، وفي ذات السياق لا زال رئيس الحكومة وهو بالأمس القريب الذي كان وزيرا للتربية والتعليم يؤكد على أن الحكومة قد توافقت مع مجلس نقابة المعلمين السابق على ربط العلاوات بمؤشر قياس أداء المعلم والطالب، مشددا على أن “لا تراجع عن هذا المؤشر المهم” … وامام هذا التشدد هناك تشدد اخر من قبل نقابة المعلمين والتمترس خلف مطالبهم بالعلاوة الـ (50%) على الراتب الأساسي وغيرها من الشروط الشكلية…
يا سادة … الى اين تأخذون البلاد ، … الحكومة وقفت يوم الخميس 14 سبتمبر / أيلول 2019 بوجه الاعتصام على الدوار الرابع والذي كان من الممكن احتوائه ومسايرة المعلمين وفي امتصاص حركتهم بالتظاهر والاحتجاج ولو كان ذلك لما وصلنا الى هذا المنحنى ، … نقابة المعلمين وما حفلت به أيضا تحركاتهم الميدانية ، حيث احتشد المئات منهم أمام مبنى بعض مديريات التربية والتعليم في بعض المحافظات ورددوا هتافات تطالب بحقهم في العلاوة، في حين ذهب هتف بعض المعلمين برحيل حكومة الرزاز في إشارة لتصعيد محتمل لاسيما وأن منع الأجهزة الأمنية لاعتصام مماثل هذا الشهر على الدوار الرابع كما ذكرنا والذي كان هو السبب في الدعوة للإضراب…
يا سادة … الملاحظ وبدون مواربة ان هناك موقفا ” تصعيديا واستفزازيا ” بين الطرفين الحكومة ونقابة المعلمين الامر الذي سوف ينعكس بالدرجة الاولى على مستقبل ابنائنا الطلاب وتعليمهم ، وفي رأينا لقد بدأ واضحا انه توجد “حالة انقسام في المجتمع” في ظل تباين المواقف من شخصيات برلمانية وسياسية منها ما أكدت مساندتها لمطالب المعلمين في تأدية الحكومة لرفع رواتبهم وحمّلت الحكومة مسؤولية الأزمة الحالية ومواقف تساند الحكومة في وجهة نظرها نحو عجز الموازنة لتلبية مطلب المعلمين متهمة إياهم بالمتاجرة بمستقبل الطلاب وتعليمهم ومع إصرار الحكومة على معايير منح المكافآت المقترن بحسن الأداء للمعلمين…
يا سادة … اضراب المعلمين في الأردن بات عنق الزجاجة الإستراتيجي في مجمل خارطة البلاد السياسية والتحديات الجسام التي قد تنفجر في المنطقة والاقليم في قادم الأيام وفي ظل أوضاع إقليمية معقدة يواجه الأردن تحديات صفقة القرن، التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على دول الإقليم، في ظل علاقات عربية – عربية يسودها الصراع والتنافس ، حيث تسود علاقات الأردن مع بعض الدول العربية المهمة الضبابية وعدم الثقة والتنافس ، إذ دخلت قوى إقليمية عربية على خط القضية الفلسطينية ، تنافس الدور الأردني التقليدي في فلسطين ، … وفي هذا الاطار لا يستطيع الأردن مواجهة هذه التحديات القادمة والخروج بأقل الخسائر إلا بالاعتماد على تمتين الجبهة الداخلية التي تصدعت مؤخرا لأسباب كثيرة وعلى راسها اضراب المعلمين وغياب الثقة بين المواطنين والدولة، وهذا يتطلب إعادة ترتيب البيت الداخلي بشكل شامل…
يا سادة … اليوم الخميس 26 سبتمبر / أيلول 2019 اسال الله ان يدخل حكمة الراي والصواب وتغليب مصلحة الوطن ومراعاة مصلحة أبنائنا الطلاب واهليهم وان يكون الصواب حليف حكومة بلادنا ونقابة المعلمين والخروج بحل توافقي تاريخي جريء يأخذ بالاعتبار الإمكانيات والخطوات والتوقيت ويكون نبراسا لنا جميعا وللأجيال القادمة من بعدنا…
باحث ومخطط استراتيجي