– في منتصف جبل عمان، وتحديداً في “شارع الرينبو”، يقع مقهى صغير يدعى “الجبل الفيروزي”، يحتضن بين جنباته مجموعة من الطاولات التي تظلها الأشجار، ما يضفي على المكان جمالاً إضافياً وهدوءاً يليق بفنجان قهوة صباحي أو مسائي. يجلس الزوار بصحبة بعض الأوراق أو أجهزة “اللاب توب” للعمل أو لتبادل الأفكار، أو لمجرد تجاذب الحديث بينهم.
ولا يقتصر مقهى الجبل الفيروزي على قهوته الفريدة، التي يطلق البعض عليها “القهوة المخبأة” أو “المقهى السري”، بل يضم أيضاً مساحة لعرض منتجات حرفية عريقة، إلى جانب لوحات فنية تزين الجدران، أبدعها فنانون وفنانات من الأردن والعالم، يجمعهم الشغف بالحفاظ على التراث والإرث الثقافي.
وهنا التقت عمون بالباحث والمصمم زين حمودة، من مؤسسة “جبل الفيروز” للتدريب على حفظ التراث، الذي أشار أن ملكية المقهى تعود لمؤسسة جبل الفيروز، وأن هذه المؤسسة غير ربحية، وتهدف إلى صون التراث والحرف التقليدية. وعن مؤسسة الجبل الفيروزي يقول حمودة: “تأسست المؤسسة بمبادرة من الملك تشارلز عام 2006، وكان أول فرع لها في أفغانستان، واتخذت اسمها من أحد جبال المنطقة(الجبل الفيروزي)”. وأوضح حمودة أن الهدف من التأسيس هو الحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية وتنميتها، لا سيما في المنطقة العربية، وتحديداً في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، لما تواجهه من تحديات أبرزها عزوف الأجيال الشابة عن هذه الحرف، مما دفع إلى العمل على تسليط الضوء عليها وعرضها في الأسواق العالمية بعد دمجها بتصاميم معاصرة، كونها تعكس الهوية والتاريخ العربي.
وأشار حمودة إلى أن النزاعات المسلحة، أو السياسية، أو حتى الكوارث الطبيعية، تهدد الأسس التراثية في العديد من المناطق، ولا سيما الحرف التقليدية، وهو ما دفع المؤسسة إلى تبني مسؤولية الحفاظ على هذه الحرف ومنع اندثارها، باعتبارها تمثل تاريخاً وهوية للمجتمعات التي تنشأ فيها.
كما نوه حمودة إلى أن للمؤسسة فروعاً عدة، من بينها: أفغانستان، ميانمار، الولايات المتحدة الأمريكية، والفرع الرئيسي في الأردن، بالإضافة إلى فرع حديث في بيت لحم، وخطة مستقبلية لافتتاح فرع في سوريا، فيما يقع المقر الإداري للمؤسسة في بريطانيا.
وبين حمودة أن عدد الحرفيين الذين تتعاون معهم المؤسسة يبلغ نحو 250 حرفياً، منهم حوالي 40 في الأردن، والعدد في تزايد مستمر.
ولفت إلى أن الهدف من التعاون مع الحرفيين هو إبراز هذه الحرف المندثرة ودمجها في سوق العمل المعاصر، من خلال التواصل المباشر مع الحرفي، الذي يمتلك المعرفة الأصيلة بالحرفة، وتطويرها بما يتماشى مع متطلبات التصميم العصري. ولهذا الغرض، أنشأت المؤسسة فرعاً تدريبياً في منطقة الجبيهة لتعليم الشباب والشابات مختلف الحرف التقليدية، مثل النجارة، الحفر على الحجر، الأعمال الخشبية، الموزاييك، والصدف.
وأشار حمودة إلى أن المقهى حظي بدعم جلالة الملكة رانيا العبد الله المعظمة، وزيارتها في أواخر العام 2020، حيث لا زالت جلالتها تثبت دائما ً في زياراتها للمشاريع الشبابية اهتمامها بهذه الفئة وإيمانها بهم وطموحهم، بالإضافة لتقديم كل سبل العون لهم.
وأوضح حمودة أن القطع المعروضة، والتي تمزج بين الطابع التقليدي والمعاصر، جاءت بعد إجراء بحوث ودراسات على الحرفة الأصلية، وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات السوق الحديث، مع الحفاظ على روح الحرفة وأصالتها، لتجسد احتراماً لهذا التراث في قالب تصميمي معاصر يلبي الأذواق الحديثة.