– 56 عاما مرت ومشهد الآلاف من الفلسطينيين، يهبون لإطفاء حريق المسجد الأقصى، على يد “يهودي متطرف إرهابي” يدعى مايكل دينيس صباح الـ 21 من آب 1969، لا يغيب.
في مثل هذا اليوم من عام 1969، اقتحم (مايكل دينيس) المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمدا في الجناح الشرقي للمسجد، حيث أتت على واجهات المسجد وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لإعادة ترميمه وزخرفته كما كان.
ومن ضمن المعالم التي أتت عليها النيران، مسجد عمر الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، ويمثل ذكرى دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس وفتحها، إضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا، وثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة، وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق، وعمودين مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، و74 نافذة خشبية وغيرها.
كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والجدران الجنوبية، وتحطمت 48 نافذة في المسجد مصنوعة من الجبص والزجاج الملون، واحترقت الكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
واستطاع الفلسطينيون آنذاك إنقاذ ما تبقى في المسجد الأقصى قبل أن تجهز عليه النيران، بعد أن هُرعت مركبات الإطفاء من الخليل، وبيت لحم، ومناطق مختلفة من الضفة الغربية والبلديات العربية لإنقاذ المسجد الأقصى، رغم محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعها من ذلك، وقطعها المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في يوم الحريق نفسه، كما تعمدت مركبات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس التأخر، حتى لا تشارك في إطفاء الحريق.
وجاء هذا العمل الإجرامي في إطار سلسلة من الإجراءات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 وما زال، بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس.
دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس قالت في بيان سابق، “نقف بكل إجلالٍ وفخرٍ وتقدير خلف وصاية ورعاية جلالة الملك عبد الله الثاني على المسجد الأقصى المبارك وجميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف”.
وأضافت أن “الإعمارات والمشاريع الملكية الهاشمية ما زالت متواصلة ومستمرة منذ أكثر من 100 عام في المسجد الأقصى إلى هذا اليوم، والذي كان من أهمها إعادة المنبر الهاشمي (منبر صلاح الدين الأيوبي) إلى مكانه الطبيعي في المسجد الأقصى، وغيرها من المشاريع الحيوية المتواصلة والتي كان أحدثها المكرمة الملكية السامية للملك عبد الله الثاني بتغيير سجاد المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة على نفقته الخاصة”.
* اقتحامات مستمرة
ومنذ عام 2003، يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي 5 أيام في الأسبوع، وفي السنوات العشر الأخيرة بدأوا بأداء صلوات علنية صامتة أثناء اقتحاماتهم، وصولا إلى أداء طقوس تلمودية، ورفع علم دولة الاحتلال داخله.
وتسعى “منظمات الهيكل” المزعوم إلى فرض حضور تدريجي لأدوات الطقوس التلمودية في المسجد الأقصى، حيث سمحت خلال السنوات الماضية بإدخال كتب الأذكار، وملابس الصلاة، وغيرها من أدوات. والآن تحاول هذه الجهات إدخال أدوات أكثر رمزية مثل: لفائف التوراة، والشمعدان، والأبواق المعدنية، وحتى المذبح والقربان الحيواني، مما يشكل تصعيدا واضحا يستهدف تغيير الطابع الإسلامي للمسجد.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، في تشرين الأول 2023، تسارعت الهجمة الاحتلالية الاستيطانية على مدينة القدس ومقدساتها ومواطنيها الفلسطينيين.
وتأتي الذكرى هذا العام، في وقت تشهد فيه مدينة القدس المحتلة، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية أشرس هجمة احتلالية منذ احتلال المسجد الأقصى عام 1967، وقد شهد الربع الأول من العام الحالي اقتحام (13,064) مستوطنا المسجد الأقصى المبارك، بحماية قوات الاحتلال، إضافة إلى (12,134) آخرين تحت غطاء “السياحة”، ونفذوا جولات استفزازية، وأدوا طقوسًا تلمودية في مناطق متفرقة من الأقصى، في انتهاك مباشر لحرمة المكان المقدس.
فيما وصل عدد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى في النصف الأول من العام الحالي إلى (33.634) مستوطنا، و(26012) تحت ما يسمى (ساحة).
وشهدت الأشهر الماضية انتهاكات صارخة بحق المسجد الأقصى، إذ اقتحم ساحاته في شهر نيسان الماضي 1031 مستوطنا، فيما اقتحمه في شهر أيار 6728 مستوطنا.
وسُجلت أخطر الانتهاكات صباح يوم 12 أيار عندما أقدم مستوطنون -لأول مرة منذ احتلال الأقصى عام 1967- على اقتحام المسجد من باب الغوانمة وإدخال قربان حيواني بنيّة ذبحه داخل الساحات.
وشهد شهر حزيران الماضي، إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، ومنع الوصول إليهما، لـ12 يوماً على التوالي، على إثر اندلاع الحرب الإيرانية – الإسرائيلية. فيما شهد تموز الماضي، اقتحام 5487 مستوطنا المسجد الأقصى، و(2484) تحت مسمى سياحة.
لم تكن جريمة إحراق المسجد الأقصى في آب 1969، إلا حدثا متصلا بسلسلة من الجرائم والمجازر وسياسات التهويد الاحتلالية، وشهد بعد ذلك، مذبحة الأقصى الأولى التي حدثت في تمام الساعة 10:30 من صبيحة يوم الاثنين الموافق 8 تشرين الأول من عام 1990، قبيل صلاة الظهر؛ إثر قيام متطرفي ما يسمى بـ”جماعة أمناء جبل الهيكل” بوضع حجر الأساس لما يسمى للهيكل الثالث في ساحة المسجد الأقصى؛ مما استثار أهل القدس الذين هبوا لمنع ذلك؛ فتدخل على الفور جنود الاحتلال الإسرائيلي الموجودون في ساحات المسجد، وأمطروا المصلين بالرصاص بدون تمييز؛ مما أدى إلى استشهاد 21 مصليا، وإصابة 150 بجروح، واعتقال 270 شخصاً.
وجاء بعدها (هبة النفق)، هبّة شعبية فلسطينية أطلق عليها “هبّة النفق” التي اندلعت في 25 أيلول 1996 احتجاجا على حفر وافتتاح سلطات الاحتلال الإسرائيلية للنفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك، بعد محاولتين فاشلتين لافتتاحه، في عامي 1986 و1994. فبعد احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بهدم حارة المغاربة الواقعة جنوب غرب المسجد الأقصى، ثم أخذ بالحفر أسفل الرواق الغربي للمسجد الأقصى حتى أحدث نفقا كبيرا يبلغ طوله ما يقارب 450 مترا.
افتتاح ذلك النفق بأمر من رئيس الوزراء الاحتلال آنذاك، بنيامين نتنياهو، ما حول كامل فلسطين إلى مواجهة شرسة مع الاحتلال، استشهد خلالها، ما يقارب الـ100 فلسطيني، وأصيب أكثر من 1600 آخرين، بعد مواجهات واشتباكات استمرت لثلاثة أيام.
كما شكل اقتحام المتطرف آرائيل شارون، باحات المسجد الأقصى في 28 أيلول 2000، الشرارة التي اندلعت على إثرها الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”، التي ارتقى خلالها ما يقرب من 4500 شهيد، وأصيب أكثر من 50 ألفا.