الدكتور عديل الشرمان
رغما عنك ستتوقف ليأخذك ذلك المشهد لبعض الوقت، مشدوها ومشدودا، وقد تلعثم الكلام في فمك، وتعثرت لغة الكلام أمام بائع الخضار الفقير، وهو يعلن ويردد بأعلى صوته الدافئ بأن الخضار مجانا لوجه الله، وكله رجاء وثقة بأن الله سيضاعف له الأجر أضعافا مضاعفة، لأنه قرأ وعرف وأيقن بأن الله هو خير الرازقين، وعليه يتوكل المتوكلون، وقد أبى على نفسه أن يرفع الأسعار فيكون مع الهابطين، فمقاييس الربح والخسارة عنده غير مقاييس من أداروا ظهورهم من حرّاس وأصحاب المال وعبدته، والذين يستخفون من الناس، ولم نعد نسمعهم أو نراهم كعادتهم في هكذا ظروف، ومثلهم لا ينفقون إلا رياء وهم كارهون، وسيأتي يوما عليهم يقولون: يا ليتنا كنا مع بائع الخضار فنفوز فوزا عظيما.
ثم تتوقف إكبارا لأولئك المواطنين الذين يستخفون من الله، فنذروا أنفسهم تطوعاً بخبراتهم وإمكاناتهم البسيطة المتواضعة، ورفضوا أن يكونوا مع القاعدين، وأبوا إلا أن يكونوا عونا لغيرهم في مثل هذه الظروف، والسلام موصول على ذلك السائق الذي أعلن عن تسخير نفسه ومركبته لخدمة المواطنين بلا مقابل.
وما أجمل ذلك المشهد لمواطنين وقد وقفوا بشموخ وعفة نفس في طابور لشراء حاجاتهم من الخبز، وهم يؤثرون ويقدّمون بعضهم على بعض ويقسمون بالله على ذلك، في حين تسمع صوت صاحب المخبز وهو يقول بغير منّة ولا أذى: الخبز بالمجان لغير المقتدر ولمن أراد.
أما حملة التاج أولي البأس الشديد، فبوركت زنودكم، يا من حملتم التاج فوق رؤوسكم، والوطن في قلوبكم، وأرواحكم بين أكفكم، فنزلتم الشوارع بشموخ وكبرياء، تعانقون زملائكم من رجال الأمن العام بلهفة العاشق والمشتاق، لتزيدوا المواطنين إحساسا بالدفء والأمان.
أما ذلك الوزير، الذي رفض الوازرة، وحمل أمانة الوزارة، والذي لم يزر وازرة وزر أخرى، عندما أجاب على سؤال عن كلفة كورونا على الاقتصاد، فكان الجواب المسؤول الذي أجاب فأجاد فأثار الاعجاب: بأن الكلفة هي إصابة ستة وخمسين إنسانا عزيزا نتمنى لهم الشفاء.
إنهم الأردنيون الذين تقاسموا لقمة العيش والمسكن والمأمن مع إخوانهم واشقائهم في أصعب الظروف، فما وهنوا وما استكانوا، فتحوا بيوتهم وقلوبهم لكل محتاج فما ضاقت صدورهم، ولا قلّت لهم حيلة، أبوا أن يبدّلوا ويتبدّلوا، فما غيّرتهم الأيام، ولا جور الزمان، فكانوا لعهدهم وأماناتهم أفضل الحافظين، ولغيظهم خير الكاظمين.
الأردني وقت الشدة صلب الطباع، للتعليمات مطواع، قوي الساعد والذراع، ما اشترى في كرامته وما باع، ما استجاره جار أو جائر فلحق به ضيم أو جاع، ما انحنى لمحنة ولا ضعف أو انصاع.
تعمّق الكوارث الأزمات، لكنها عمّقت عند الأردنيين مكارم الأخلاق، وأظهرت أن معادنهم نفيسة ولا تقدر بثمن، مهما طال عليها الزمن، وأنهم وقت الشدة صابرون وبقضاء الله راضون.
فألف تحية والف سلام على كل أردني أبى على نفسه إلا أن يكون معولا للبناء، ويضرب أروع الأمثال في الإنسانية والأخلاق والنظام، والف تحية والف سلام على ملك وقائد ملك القلوب بحبه لشعبه، وخوفه على حياتهم ومصيرهم، وعلى حكومة واصلت الليل بالنهار، ووضعت سلامة المواطنين فوق كل اعتبار، وليسجل التاريخ، بمداد من الذهب أن ليس بمقدور أحد أن يخدش وجه الأردن الجميل، وكيف هم الأردنيون وقت الشدة أفضل حالا من وقت الرخاء.