ببراءة الاطفال وبعيون ملؤها الأمل والاستعطاف، تطلب ريم ذات 4 سنوات من والدها خالد حمدان الذي يعمل في محل صيانة السيارات، “معجونة اطفال” كي تصنع العابا تحلم يوما بامتلاكها، ليأتي الرد من حنجرة تغص بقلة الحيلة وصوت يتخلله الحزن الشديد بقوله “يابا حتى ألاقي حق خبز بشتريلك معجونتك”.
خالد يسرد معاناته لـ (بترا) وحاله من بين نصف مليون عامل من عمال المياومة والمهن الحرفيّة يشكلون نحو 42 بالمئة من العاملين في القطاع الخاص، ولا يجدون قوت يومهم نتيجة توقف أعمالهم، ويعملون يوما بيوم ليتحصلوا على دخل كي يعتاشوا عليه ويؤمنوا الحد الأدنى من احتياجاتهم الاساسية، ويقول: اعمل منذ 5 سنوات في هذه المهنة وأتقاضى 10 دنانير يوميا على مدار الشهر باستثناء يوم الجمعة، موضحا أن هذا الدخل اعتاش منه وعائلتي، ومنذ اسبوعين توقف هذا المصدر.
ويضيف، تكالبت ظروف الحياة المعيشية على كاهلي، ولجأت لصاحب المحل للاقتراض منه اكثر من مرة، الا ان وضعه ليس بأفضل من وضعي بكثير.
ويتابع خالد بتلعثم، “ننتظر فرج الله واذا ما حد طل علينا رح ندور بالشوارع”.
ولا يختلف حال محمد اسماعيل الذي يعمل بالأعمال الانشائية عن خالد، الذي يبدأ كلامه بالقول “انخرب بيتنا جراء التعطل”، مؤمنا بقضاء الله ومقدرا لجهود الحكومة لمنع تفشي فيروس كورونا.
ويستطرد محمد قائلا: فصل الشتاء كان قاسيا من النواحي كافة حيث ان طبيعة عملي تشهد انخفاضا طبيعيا في هذا الموسم، ومن جهة اخرى فقد تمكن برد “الكانونين” من اخذ حصته من دفء عائلتي، جراء جدران بيتي الآيلة للسقوط، والذي ينتظر افراد العائلة تحسن اوضاع عملي لإصلاحه، في حين لا يكفي الوضع الحالي لضمان قوتها اليومي.
عامل الحجر عبد الفتاح الخليل، استهل بالقول “الله يفرجها على البلد ويكون بعون الملك”، كلمات شقت طريقها وسط غبار الحجر وضجيج صاروخ النشر الذي اشتاق اليه، لتتجلى فيها اسمى تعابير الانتماء لتراب البلد وقائده.
ويقول “اللحمة والدجاج حلم لعائلتي”، مضيفا، “استقرضت 28 دينارا من اولاد عمي ومش عارف من وين رح اسدهم. أولادي فلوزوا وما قدرت اجيب دواء”.
احمد العلي هو الآخر عامل في محطة غسيل سيارات يذكر ان آخر أجر تقاضاه كان في 12 الشهر الحالي، لكن احمد يختلف عن زملائه السابقين في انه لم يستطع حبس دمعته التي تخللها حديث موجع بقوله “ما معي الا ثلاثة دنانير وساكن بالإيجار وعندي ولدان”، ويكمل شكواه “زوجتي طلبت مني دلو لبن من اربعة ايام وما معي اجيب”.
ظروف يعشيها عمال المياومة أقل ما يمكن ان توصف بأنها قاسية حد الإجحاف، حيث تقطعت بهم السبل في ظل صمم يعيشه رجال الاعمال والميسورون من اصحاب رؤوس الاموال في هذا البلد عن مساعدتهم وتقديم يد العون لهم في هذه الأزمة.
وزيرة التنمية الاجتماعية بسمة اسحاقات، قالت في تصريح لـ (بترا) إن الحكومة أعلنت بالتعاون مع فريق الحماية الاجتماعية الذي شكله رئيس الوزراء، عن إطلاق حساب الخير- أمانات وزارة التنمية الاجتماعية لتلقي التبرعات النقدية الموجهة لقطاع الحماية الاجتماعية عبر الحوالات البنكية من داخل المملكة وخارجها، أو من خلال “إي فواتيركم”، أو أي من القنوات الإلكترونية الأخرى المتاحة.
واضافت، إن حجم التبرعات الموجودة في حساب الخير وصل الى 388 ألف دينار، موضحة أن هناك 200 ألف اسرة ممن يعملون بشكل غير منتظم “المياومة”.
وبينت ان الوزارة وضعت تقديرات لاحتياجات هذه الفئة قياسا بنفس آلية برنامج الدعم التكميلي تصل الى 82 مليون دينار تكفي لمدة 3 اشهر، مؤكدة ان هذه المساعدات طارئة لهذه الاسر وليست رواتب من قبل الحكومة ولا تتصف بالديمومة وسيتم صرف ما هو مخصص من تبرعات لهذه الفئة.
الخبير الاقتصادي مفلح عقل اوضح أنه تقع على القطاع الخاص مسؤولية كبيرة لدعم هذه الفئة من العمالة بعد تقطع سبل الحياة الكريمة بهم، مضيفا ان “التبرع الذي قدمه القطاع الخاص بشركاته الكبرى لوزارة الصحة ولحساب عمال المياومة حتى اليوم لا يعكس واقع الطموح”.
وأشار الى أن الشركات والافراد من اصحاب رؤوس الاموال يستطيعون تقديم المساعدات المادية والتي بدورها ستخصم من مجموع دخولهم الخاضعة للضريبة بحسب قرار الحكومة.
فيما يؤكد المحلل الاقتصادي الدكتور معن القطامين أنه “يقع على عاتق القطاع الخاص مهام كبيرة مشابهة لمهام القطاع العام لدعم عمال المياومة ودعم الاقتصاد في الفترة المقبلة خصوصا ان الحكومة تواجه تكاليف ازمة فيروس كورونا بمقدراتها المالية الذاتية دون اية مساعدات خارجية”.(بترا)