7.1 C
عمّان
الإثنين, 23 ديسمبر 2024, 5:28
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

جائحة المال العربي

                                                              

الدكتور عديل الشرمان

في الشدائد أنت لا تخسر الأصدقاء، لكنك تتعلم من هو الصديق الصدوق الذي يصدقك وقت الضيق، هذا الجانح الجائح الفيروس الصغير في  حجمه يخيف الرجال ولا يشبههم، جريء متسلل إن اعطيناه أقل من قدره تمادى وتمرد، وأن اعطيناه أكبر من حجمه رحل، سيرحل هذا الخبيث، وسيبقى الخبث والأثر، وسيمرّ هذا العارض الممطر، لكن الألم ومعه الذكرى لن يمر، ستنتهي هذه السحابة، وسيسجل التاريخ في سجلاته وأسفاره كيف تصرف العرب مع بعضهم وقت الشدة والضيق، وسيعرف كلّ منّا من يصدقه، وعندها سندرك تماما كيف يتصرف حرّاس المال من العرب بأموالهم المخزونة وقت الشدة، والمدفونة والمودعة حتى في أماكن لا يعرفها إلا الشيطان، وسنعرف كيف يكون التكافل عندما تشتد الأزمات.

يحكي أن رجلا جاء إلى الإمام أبي حنيفة وقال له : إن لي مالاً دفنته في مكان لا أتذكره، فهل تساعدني في معرفة مكان هذا المال؟ قال الإمام أبو حنيفة : ليس هذا من عملي، ثم فكر لحظة وقال للرجل : صلّ هذه الليلة حتي الصباح وسوف تتذكر مكان المال.

عمل الرجل بنصيحة الإمام أبو حنيفة، وكيف له أن لا يعمل في النصيحة، فهو المنصاع دائما لأمر الأئمة!!!، ولا نعرف إن أخذ بالنصيحة حبا بطاعة الإمام أم حبا بالمال، فأخذ يصلي، ولا نعرف إن كان صلّى لأجل المال أم لأجل من رزقه المال، ولا نعرف إن صلّى صلاة عبد مودع، أم صلاة عبد مستقبل متلهف للمال، فالصلاة صلة بين العبد وربه، وأثناء صلاته تذكر الرجل المكان الذي دفن فيه المال، فأسرع لاهثا إليه وأخرجه، ولم نعرف من القصة كيف تصرف بالمال فيما بعد، وهل كان قد إدّخره لينفقه في سبيل الله لمحتاج أو مريض أو صديق يمرّ في كربة وضيق، أم لينفقه في سبيل الطاغوت وشراء الحمير والقصور واليخوت.

وفي صباح اليوم التالي ذهب الرجل إلى الإمام أبو حنيفة وأخبره أنه قد وجد المال، ثم سأل الرجل الإمام متعجباً: ولكن كيف عرفت أنني سوف أتذكر مكان مالي؟ قال الإمام أبو حنيفة: لأني علمت أن الشيطان لن يتركك تصلي، وسيشغلك بتذكر المال عن صلاتك.

رحمك الله يا أبا حنيفة، فالحال قد تبدّل، والمال قد تبدّد، وقد أشغل أصحاب المال الشيطان بأموالهم، ولم يتركوا الشيطان بحاله، وصاروا هم من يشغلونه، وصار الشيطان من يسألهم عن مكان أموالهم، بل هم الذين يوسوسون في صدره، وينافسوه في عمله، فتعدّوا على وظيفته، وأخذوا مكانه، ووضعوه في الحجر ليرتاح.

لقد جعلوا من أمولهم ذخيرة عليهم، لا ذخرا لهم، وصاروا يضعونها لقمة في مدفع، أو حشوة لصاروخ يرمون به صديقا من خلفه، أو ينصرون به عدوا لهم، أو لإقامة وجبة أو وليمة عشاء فاخرة لعارضة أزياء فاجرة، أو لشراء لوحة فنية يفوق ثمنها ما أنفقه العرب حتى الآن في الجائحة التي المت بهم.

ليتهم يعرفون، ويدركون، ويتبدّلون، أو يصحون من غفلتهم وقد سلبهم أصغر مخلوقات الله وعيهم، وأخرجهم عن وقارهم صاغرين، وراحوا من رعبهم يختبئون في حجرات محجورين، وبالإشارة يتصافحون، ويكلم بعضهم بعضا من وراء حجاب وهم يتهامسون، وقد أوشكوا على أثوابهم خوفا يبولون. 

Share and Enjoy !

Shares