ملايين الأردنيين عرضة للخطر، والاقتصاد يتآكل كلما تأخرت عودة الحياة والإنتاج إلى طبيعتهما. هي معادلة صعبة، ومع ذلك فهي واقع يجب أن نتعامل معه بجدية بالغة، فالوقت يستنزفنا، والمستقبل إن لم نصل إليه نحن، فهو لن يأتي إلينا بمفرده.
المشكلة الكبرى، أنه كلما تحقق منجز في هذا الاتجاه، وبدأ الأمل يتسرب إلى قلوب الأردنيين بقرب انتهاء أزمة انتشار فيروس كورونا، وأنها في طريقها إلى الزوال، يعود الزمن إلى الوراء نحو نقطة الصفر من جديد، وذلك جراء أخطاء مجانية يرتكبها بعض ممن يعيشون بيننا، وممن لا يجدون ضيرا في سلوكيات سلبية تهددنا جميعنا بالخطر.
تنبيهات حكومية كثيرة وتحذيرات مستمرة، وتأكيد رسمي بأن الدولة تراهن على وعي الناس وإدراكهم لخطورة الوضع، وأن الوعي سلاح رئيسي في الحرب على هذا الوباء، ومع ذلك ما تزال فئة كبيرة تسمع إلى ما يقال من دون أن تعيه أو تستوعب أهميته، فزرعوا بذلك الألم وبثوا بتهورهم الفيروس، متنقلين بين الناس ومخالطين لهم من دون أي شعور بالإثم أو بتأنيب الضمير.
سلوك هؤلاء واستهتارهم يجب أن لا يمر من دون حساب، فبلد بأكمله؛ شعب واقتصاد، عرضة للتدهور بسبب عدم التزام هذه العينة من البشر بتعليمات الحجر المنزلي، ضاربين بعرض الحائط بحياة أقرب الأشخاص إليهم، وحياة المواطنين بشكل عام.
كيف يفكر هؤلاء؟ العقل لا يمكن له أن يصوغ مبررا واحدا يسمح لمن خالط مصابا بكورونا، أو مشتبها بإصابته به، أن يتجول بين الناس مصافحا هذا وذاك، أو يحط ركابه في الأسواق يبتاع من هنا وهناك، من دون أن يتوجه إلى المستشفى للإبلاغ عن حالته المرضية. هؤلاء ينفثون سمومهم في الأرجاء، ليبقى الوطن حبيس هذا الوباء، ويبقى الصمت يخيم على المصانع والمحلات التجارية، وتبقى الشوارع خالية من روادها، يقتلها الهدوء.
الدولة بجميع أذرعها التنفيذية والأمنية مطالبة اليوم بأن تضع حدا لمثل هذه السلوكيات عبر تطبيق أشد العقوبات بحق هذه الفئة، فأغلب حالات الإصابة بالفيروس المسجلة مؤخرا كانت بسبب عدم الالتزام بالحجر المنزلي، وأمثلة هؤلاء كثيرة؛ كبائع سوق العارضة، وطبيب الرمثا، وموظف مستودعات فارمسي ون، وموظف الفندق، وغيرهم.
في الفترة الأخيرة لم تسجل حالات من الخارج لأن الحدود مغلقة، والإجراءات التي اتبعت في هذا الإطار كانت شديدة وحاسمة بلا اعتبارات أو تهاون، وقد حوصر الفيروس خارج خريطة الأردن، ومن أجل أن تنتهي القصة بأكملها يجب أن يوازي ذلك إجراءات مشددة داخليا، وقاسية إن لزم الأمر.
شخص مثل موظف المستودعات، الذي أعلن عن علمه بإصابته بالفيروس ومع ذلك ذهب إلى مكان عمله وصافح من حوله من زملاء العمل، بلغ تأثير سلوكه الدرجة القصوى، حيث أتى على 103 فروع لفارمسي ون، وقضى على حركتها التجارية بالغة الأهمية في هذه الفترة، وهدد حياة الصيادلة، وموظفي الأمن، وموظفي الخدمات في الفروع كافة، وسائقي مركبات النقل والموزعين، وأثر أيضا على تلبية احتياجات الناس في السوق.
لماذا يجب تجريم هؤلاء؟، فبالإضافة إلى ضرورة محاسبتهم على عدم مسؤوليتهم، فإن الواقع وعدم المبالغة يقولان إن الأردن لا يحتمل أي أزمة اقتصادية أو اجتماعية، والحديث عن الصمود طويلا في هذه المعركة ضرب من الخيال، فالتكلفة ستكون باهظة الثمن، والنتيجة كارثية ستأتي على الأخضر واليابس.
الفقراء سيزدادون فقرا، والعمالة التي تعتاش على رزق كل يوم بيومه باتت تئن من سوء الحال المادي، والقطاع الخاص لن يقوى على دفع رواتب الموظفين وأبوابه مغلقة، وعندها سيكون هؤلاء بلا عمل ولا دخل شهري يعتاشون من ورائه، ومن أجل هؤلاء يجب أن تنحي الحكومة جانبا لغة اللين التي تنتهجها في بعض الأحيان، وأن تلجأ إلى التصعيد معهم، حتى لا يكون الأردنيون في خطر.
الموضوع السابق
الموضوع التالي