من المرجح أن تشكّل أزمة وباء فيروس (كورونا) نقطة تحوّل، ومنعطفا متعرجا خطرا في شكل وطبيعة العلاقات بين الدول، وخاصة الكبرى منها، وأن ترفع من مستوى الصراعات بينها، مما قد تقود هذه الأزمة إلى حالة من الانشقاق في العلاقات بين بعض الدول، وتعميق الانقسامات في كثير من المواقف.
وفي ذات السياق ربما تتسبب الأزمة في انهيار أو ضعف تكتلات وتحالفات، أو تشهد انسحابات، كما قد تخلق حالة من التنافس غير مألوفة في المجالات الاقتصادية والسياسية على نحو يعمل على زيادة التوتر وتهديد الأمن والسلم الدوليّين.
وعلى صعيد آخر مضاد وضعيف فقد تشهد الأزمة انفراجا في العلاقات بين بعض الدول، وزيادة في قوّة وفعالية بعض التحالفات القائمة، وتعاون بين بعض الأطراف لمواجهة التهديدات والآثار المترتبة عليها، وظهور مستجدات ايجابية في شكل ونمط العلاقات على الصعيد الإقليمي. وبالتالي تكون الأزمة قد أسهمت في تنقية الأجواء وكشفت النوايا الطيبة في جانب من جوانبها الإيجابية.
أما على الصعيد المحلي للدول والمجتمعات، فإن الدول التي تنجح في التغلّب على الأزمات وإدارتها بنجاح، وتعبرها بأقل الخسائر من خلال التماسك في وحدتها، والمهارة في حشد مواردها وطاقاتها، ومضاعفة جهودها، وقد تحلّت بالجرأة ورباطة الجأش، فإن ذلك يؤدي إلى ازدياد نفوذها وقوتها، وتعزيز مكانتها وهيبتها وترتفع الروح المعنوية لدى شعوبها، فتصبح الأزمة مبعثا على استنهاض الهمم، وعاملا من عوامل التنمية والاستقرار، وربما يسهم نجاح الدول في إدارة الأزمة في ترميم ما أفسده الدهر والساسة في علاقة الأنظمة والحكومات بالشعوب التي ترتفع ثقتها بأنظمتها الحاكمة وبحكوماتها وأجهزتها المختلفة، ولعل الأردن يسير بثقة وثبات في هذا الاتجاه، وخاصة في ظل اضطلاع الأجهزة الأمنية والعسكرية فيه بأدوار هامة وحيويّة كان الطابع الإنساني المنضبط هو السائد في سلوكها ونهجها والمستمد من عقيدتها العسكرية المستندة إلى منظومة قيميّة وأخلاقية عالية.
إلا أن بعض الدول ولتبرير عجزها وتقصيرها وضعف إجراءاتها، وعدم قدرتها على التعامل مع تداعيات الأزمة مدفوعا ذلك بضعف خبرتها وقلة إمكاناتها، تذهب بعيدا في محاولة تصدير الأزمات من خلال إسقاط فشلها على عوامل داخلية وخارجية، كالترويج لنظرية المؤامرة، أو ربما تعزو الأزمة لأسباب واهنة لا أساس لها من الواقع، متهمة شعوبها بقلة الوعي والاستخفاف بالأنظمة والقوانين، وهذا ما شهدنا جانبا منه في التعامل مع أزمة وباء (كورونا) في عدد من دول العالم.
لعل أبرز وأخطر المسارات التي يخشاها الكثيرون والتي من المحتمل أن تنتجها أزمة كورونا هي قيام الحكومات بتوظيف الوباء لغايات فرض السيطرة والنفوذ، ومزيد من الضبط والضغط بحجة أن الفرصة باتت سانحة لتعزيز هيبة الحكومات والدول، وإعادة ما فقد منها بفعل سيادة أجواء الحرية والديمقراطية والتي كانت نتيجة كفاح الشعوب عبر عقود من الزمن.
وفي إطار التوظيف السياسي للأزمة يخشى الكثير من المراقبين والمحللين أن يؤدي تدخل الجيوش وأجهزة الأمن إلى مزيد من التدخل في إدارة الحياة العامة، والسيطرة على مفاصل الدول ومقدراتها وخاصة تلك الدول التي عانت من البطش والتنكيل والتضييق على حريّاتها لفترات طويلة من الزمن.
ومن غير المحتمل أن تتنازل بعض الأجهزة العسكرية والأمنية في بعض الدول عن مكتسباتها بعد انتهاء أزمة الوباء(كورونا)، عندها سيجد الفساد والخوف في بعض المجتمعات طريقه إلى الاستفحال والتغلغل بخطورة أكبر من الوباء نفسه في الوقت الذي تضعف فيه القدرة على المواجهة والتصدي أمام جبروت الأجهزة الخارجة من معركة الوباء منتشية منتصرة، وسيعود التحسّر والحنين إلى الماضي، وقد أعاد الحاضر تلك الشعوب إلى المربع الأول.
الموضوع السابق
الموضوع التالي