ارتفاع الفائدة البنكية سبب رئيس في زعزعة القدرة الشرائية عند المواطن
عمّان – تسود حالة من التشاؤم في القطاع العقاري خاصة بين مستثمريه، فضلا عن حالة مماثلة يعيشها الساعون لتملك شقة سكنية، وهو ما يرجعه متخصصون الى جملة من الأسباب، في مقدمتها ارتفاع أسعار الأراضي والمواد الأولية للبناء، وكذا الفائدة البنكية للقرض السكني، فضلا عن البيئة التشريعية الناظمة للبناء.
وإذ يدعو مستثمرون الحكومة الى التدخل لإنقاذ القطاع ودعمه، يلقي مدير دائرة رخص الأبنية في أمانة عمان الكبرى المهندس زياد أبو عرابي، باللائمة على المستثمرين الذين يوجهون جل اهتمامهم لإنشاء العقارات في عمان الغربية، متجاهلين عمان الشرقية والمحافظات التي تمثل الشريحة الأكبر.
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة يوجد في المملكة نحو 50 ألف عقد إيجار لأسر أردنية، فيما قدّرت دراسة للبنك الدولي اجراها العام الماضي، حاجة الأردن السنوية من العقارات السكنية بـ 65 ألف مسكن.
“بترا” رصدت أبرز المعوقات التي تواجه قطاع الإسكان على لسان خبراء ووقفت على عدة مقترحات من شأنها بث الحياة في القطاع بحسبهم.
يقول مدير جمعية المستثمرين السابق المهندس زهير العمري، إن الاستثمار في قطاع الإسكان غير مجد في ظل تراكم عدة معوقات بوجه المستثمرين، مثل ارتفاع سعر المواد الأولية للبناء مثل الإسمنت والحديد، وارتفاع أجر العمالة الإنشائية المحلية والوافدة إلى 25 دينارا في اليوم، وارتفاع تكلفة نقل الملكية التي تبلغ 9 بالمائة من قيمة العقار.
كما يعد ارتفاع سعر الأراضي، وزيادة الفائدة البنكية التي وصلت الى 10 بالمئة، من المعوقات الرئيسة التي تهدد قطاع الانشاءات، وقال العمري إن إعفاء أول 150 مترا من الرسوم لم يشمل إلا المسكن الذي لا تتجاوز مساحته 180 مترا مربعا، موضحا ان كل ذلك أدى إلى خلل في معادلة العرض والطلب، اذ يفوق العرضُ الطلبَ.
وإضافة الى ذلك يشير العمري الى بعض القوانين والتشريعات التي تعد من وجهة نظره عائقا رئيسيا في وجه المستثمر وخصوصا تلك التي تفرض على المقاول الالتزام بأربعة طوابق فقط.
ويوافقه في الرأي المستثمر في قطاع الإسكان منير أبو العسل، الذي أكد أن ارتفاع الفائدة البنكية سبب رئيس في زعزعة القدرة الشرائية عند المواطن وسبب في خسارة كثير من المستثمرين في القطاع، مشيرا إلى أن بعضهم باع عقاراته بأقل من سعرها الحقيقي لتسديد القروض البنكية المترتبة عليه، فيما اتجه مستثمرون آخرون الى قطاعات اخرى، ونقل عدد آخر منهم استثماره إلى دول اخرى مثل تركيا نظرا للتسهيلات المقدمة هناك.
ويشير أبو العسل الى أن قانون منح رخص البناء يمنع المستثمر من بناء طوابق اضافية، ما يعتبر عائقا اساسيا في نمو قطاع الاسكان، ويوافقه الرأي المستثمر كمال العواملة الذي يرى أن الفوائد البنكية المرتفعة تحرم الأسر من تملك السكن، اضافة لأنظمة وقوانين البناء التي تقيد المستثمر في القطاع وتنفره من الاستثمار فيه.
ويرد أبو عرابي على ذلك بالقول، ان بناء طوابق اضافية يتطلب تعديلا على الملكيات، ويخلق مشكلات اضافية تتعلق بالضغط على البنى التحتية في ظل الاكتظاظ الذي تشهده العاصمة حاليا، مشيرا الى ان ذلك سيجعل شكل المدينة عشوائياً وغير منظم، منتقدا تركيز معظم المستثمرين واهتمامهم على أراضي عمان الغربية ويتجاهلون عمان الشرقية والمحافظات.
وأوضح أن القدرة الشرائية لمن يرغب بالتملك في عمان الغربية أكبر من قدرة المواطن ذي الدخل المحدود، والذي يرغب بالتملك في عمان الشرقية أو المحافظات.
ويقترح ابو عرابي أن تتملك الدولة أراضي في الضواحي القريبة من عمان وتؤهلها بالبنى التحتية اللازمة والمواصلات وتقدمها لذوي الدخل المحدود مقابل قروض بنكية ميسرة وبأقساط تناسب دخلهم الشهري. ويوافقه الرأي نقيب مقاولي الإنشاءات المهندس أحمد اليعقوب الذي اقترح استغلال الضواحي حول عمان لبناء المجمعات السكنية عليها نظرا لارتفاع أسعار الأراضي داخل عمان واكتظاظها والضغط المتزايد على بنيتها التحتية.
وعلى الجانب الآخر، ينفي مدير عام جمعية البنوك الدكتور عدلي قندح أن يكون ارتفاع الفائدة البنكية من الأسباب الأساسية في ركود قطاع العقار، وقال، ان البنك هو الطرف الأخير في المشكلة التي بدأ جذرها عندما قامت الشركات العقارية بشراء الأراضي بسعر مرتفع، واقامت عليها بنايات متعددة الطوابق بمساحات واسعة عندما كانت أسعار الحديد والاسمنت مرتفعة، وكانت الفئات المستهدفة السكان غير الأردنيين، أو الاردنيين العاملين في الخارج نظرا لارتفاع قدراتهم الشرائية.
واضاف قندح، ان الشركات العقارية تلبي طلب الشريحة الأكبر على الشقق صغيرة المساحة لفئة الشباب والمتزوجين الجدد أو المقبلين على الزواج وحديثي العمل، لكن رواتب هذه الفئة متدنية ولا تتجاوز 800 دينار على الاغلب، ولا تمكنهم من الحصول على قرض كبير لتملك شقق واسعة بأسعار مرتفعة.
وبين انه عندما تقلّص الطلب على العقار حصل ركود في القطاع العقاري، وسبب ذلك التحول في الطلب على العقار الى دول قريبة نسبياً من الأردن مثل تركيا وقبرص واليونان وبعض الدول الخليجية وحتى بعض الدول الأوروبية البعيدة. كما كان الطلب الخارجي على العقار مدفوعا بحالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة وعدم وضوح الرؤية المستقبلية. وكان أغلب ذلك من فئة المواطنين الذين يملكون أموالا وودائع وبعضهم بقروض من البنوك.
ومع ذلك إذا حصلت أسرة على قرض سكني ستكون أعباء ذلك القرض مقبولة ومعقولة في بداية عمر القرض ويمكن تحملها. ولكن بعد قدوم المولود الأول والثاني والثالث ودخولهم المدارس ستصبح مستويات رواتب الأسرة غير كافية لتحمل أعباء المصاريف الجديدة بالإضافة لأقساط وفوائد القرض، موضحا أن ذلك ليس بسبب ارتفاع أسعار الفوائد ولكن بسبب ظهور تكاليف جديدة وارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم ولأن الزيادة في مستويات الرواتب والأجور منخفضة جدا ولا تغطي ارتفاع احجام التكاليف الجديدة.
ويقول نقيب مقاولي الانشاءات أحمد اليعقوب “نحن بحاجة لاستراتيجية حكومية تضخ المال للقطاع لأن تحرك قطاع الإسكان سيحرك الكثير من القطاعات والمهن المساندة ما سيؤدي الى انتعاش الاقتصاد بشكل عام”.
واستعرض قندح من جهته عدة مقترحات لحل المشكلة في قطاع الاسكان كزيادة الرواتب ورفع دخل الاسر وتوفير شقق سكنية بمساحات صغيرة وتخفيض معدلات النمو السكاني وتوفير مصادر تمويل عقاري أخرى غير تقليدية، ووافقه الرأي أبو عرابي والعمري وغيرهما من المستثمرين الذين اكدوا أن حل المشكلة يتطلب تدخلا حكوميا من قبيل أن تتملك الحكومة أراضي في ضواحي العاصمة لإنشاء مجمعات سكنية تضم شققا صغيرة المساحة تتناسب مع ذوي الدخل المحدود، بموازاة الضغط على البنك المركزي لخفض قيمة الفائدة على القروض السكنية، وتثبيت سعر نقل الملكية الى 5 بالمائة، وإعفاء المباني كافة من رسوم أول 150 مترا بغض النظر عن مساحة المبنى الكلية، فيما طالب أبو العسل الحكومة بدعم المستثمرين من خلال قروض بنكية ميسرة تضمن بقائهم في القطاع ، وضرورة الضغط على البنوك لتخفيض الفائدة .
ويجمع هؤلاء الخبراء في النهاية على أن قطاع الإسكان في الأردن مجهول المستقبل إن لم تتدخل الحكومة لإنقاذه من خلال بيئة تشريعية جديدة تضمن ديمومة الاستثمار فيه وتحقق للمواطن الأردني طموحه في تملك السكن. (بترا- رندا حتامله)