لا احد يتخيل كيف سيكون يوم الثلاثاء، هل ستعد القهوة للمدراء؟ وهل يأتي الجميع بكماماتهم؟ هل هيأت الدوائر الخدمية نفسها للتباعد؟ هل ستنجز المعاملات بصورة اسرع؟ من سيوفر الصابون في الحمامات وغرف الانتظار؟ وهل ستعقم الوثائق والملفات بعد نقلها من مكتب الى اخر؟ هذه بعض التساؤلات التي ستجيب عليها المؤسسات بطرق متفاوتة.
الاردنيون الذين اذعنوا لشروط السلامة واصبحوا يضبطون ساعاتهم على صوت صفارات الانذار ويتناقشون حول المعنى للمقاطع التي اضيفت على الاذان والمقصود “صلوا في رحالكم” يواجهون الاسبوع الحالي اختبارا جديدا لم يسبق لهم ان توقعوه او استعدوا للتعامل معه. اعتبارا من يوم الثلاثاء سيعود غالبية الناس الى اعمالهم. في كل مؤسسة وبيئة ستتغير القواعد ويختلف الايقاع فعلى الجميع ان يراجعوا دليل السلامة العامة ويلتزموا بقواعد التباعد الجسدي. فلا عناق ولا تقبيل ولا جلسات نميمة وحفلات افطار. على الجميع ان يتصرف وكأنه مصاب وينظر الى زميله وكأنه مصدر للعدوى، بغير ذلك فان البلاد مرشحة لتتحول الى مشاتل وبؤر لنقل العدوى ونشر الرعب.
في كل اماكن العمل سيتذكر الجميع بيت الشعرالقائل ” القاه في اليم مكتوفا وقال له.. اياك اياك ان تبتل بالماء”
الفايروس الذي اخاف البشرية وهز جبروت الكبار في العالم كان وما يزال اقل شراسة وفتكا في العرب واهالي الجزيرة وبلاد الشام بشكل خاص. الحالات المسجلة في كل من الاردن وفلسطين ولبنان متواضعة اذا ما جرت مقارنتها مع بلدان العالم الاخرى. واليوم وبعد مرور ما يزيد على خمسة شهور من تفشي الوباء في العالم حافظ الاردن على مرتبة متقدمة بين الدول التي استطاعت التصدي للوباء والتقليل من اخطاره واثاره.
خلال الاسابيع القليلة الماضية لم يسجل في الاردن حالات كثيرة وشفي اكثر من 70% من المصابين ولم تتجاوز الوفيات الواحد بالمليون واستعدت البلاد للعودة الى تشغيل المرافق العامة قبل ان تتحول الحدود البرية الى نقاط تهديد ويعود الناس الى حالة الخوف والقلق التي اعتقدنا باننا ابتعدنا عنها.
مع التقدير لاجتهادات المسؤولين ومحاولاتهم الموازنة بين الابعاد الصحية والاقتصادية والامنية والاجتماعية الا انه من غير الممكن فهم الاختلالات التي ظهرت جراء فتح الحدود البرية او ما تحمله خطوة اجلاء الاردنيين في الخارج من مخاطر في قادم الايام.
اليوم يتخوف الناس من ظهور موجة جديدة في قرى واحياء ومخيمات البلاد بعدما شعروا بانهم تجاوزوا الاخطار التي حملتها الموجة الاولى. الحاجة الى استئناف الحياة الطبيعية ضرورة لا يمكن لاحد ان ينكرها او يتجاهلها. الارتباك الذي يسود المشهد اليوم نابع من التباين الواضح بين الدعوة الى التباعد واعادة تشغيل المؤسسات والمرافق العامة. فمن ناحية ما تزال النظرية السائدة باننا نواجه عدوا خطيرا و سريع النتشار يتصرف بطرق غير مفهومة تماما وتتطلب الوقاية منه التباعد والنظافة والتعقيم. من ناحية اخرى تدعو الحكومة الناس العودة الى العمل واستئناف النشاط الاقتصادي مع التاكيد على التباعد الجسدي وارتداء الكمامات واتباع العادات الصحية الموصوفة.
من الناحية النظرية يبدو في ذلك اجابة على كل التساؤلات والاهتمامات لكن الخشية من طرق التنفيذ واساليب المواءمة بين السلامة التي تتطلب التباعد والانتاج والخدمة وما يتطلبه كل منهما من اقتراب وتفاعل. على كل الاحوال في بلادنا عاش الناس تجارب التناقض بين القرارات والتعارض بين ما يقال وما يفعل، ففي كل يوم تتخذ العشرات من القرارات التي لا نعرف مبرراتها او الية التفكير والمنطق الكامن وراء اصدارها.
بعض القرارات كانت تهبط كالقدر ويجري تعديلها او ابطالها دون ان يعرف الناس كيف ولماذا ومتى. في قرارات الحظر والتجول والعودة الى العمل يوجد حاجة الى بناء نظرية متماسكة حول افتراضات السلطات ونظرتها واهدافها وسط منظومة قرارات وتشريعات تخدم هذه النظرة وتحصنها.