في بداية جائحة كورونا كان تعطيل المدارس أمر لابد منه. وأمام مباغتة الجائحة وجدت وزارة التربية والتعليم نفسها في اختبار صعب يمتحن جاهزيتها لإدارة هذه الأزمة الشائكة.
بذلت الوزارة إمكاناتها وضمن ظروف قاسية فرضتها إجراءات الحجر في حينه، جهودا كبيرة من أجل إدامة عملية التعلم، فاستطاعت ضمن فترة زمنية قياسية الخروج بمنصة إلكترونية تحتوي دروسا مصورة لمعظم المواد الدراسية إضافة للبث التلفزيوني.
التجربة لم تحقق نجاحا. كان هناك شبه إجماع ذلك، الكثير من الإخفاقات والمشكلات الجلية اعترتها، لكن إدراكنا للتحديات الكبيرة التي واجهت الوزارة في إدارة الملف وأبرزها ضيق الوقت، جعلنا نتواطأ على أنفسنا باعتبار ما خرجت به التجربة هو أفضل ما كان يمكن تحقيقه ضمن كل المعطيات المحيطة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على التعطيل الأول، وبعد بضعة أيام فقط على بدء العام الدراسي الجديد، تعود الحكومة لإغلاق المدارس وهو أمر كان متوقعا رغم تأكيدات عديدة منها بأنه لن يحدث، ليعود الطلبة مرة أخرى للعزلة في منازلهم بعيدا عن مدرسيهم وزملائهم، لا أدوات أمامهم لمتابعة دروسهم سوى التحديق طويلا في شاشات الأجهزة الذكية لمتابعة المحاضرات التي تبثها منصة درسك!
وزارة التربية والتعليم استمرت على مدار أشهر بالتغني بجاهزيتها واستعدادها للتعليم عن بعد كخيار يمكن اللجوء إليه في أي لحظة. وروجت الوزارة منصة درسك الجديدة على أنها تمثل نقلة نوعية عن سابقتها من حيث جودة المحتوى التعليمي وإتاحة التفاعل بين الطالب والمدرس بما يؤهلها للاعتماد عليها بشكل كامل فترة التعطل، ما جعل الطلبة وذويهم يتوقعون أن يجدوا شيئا مختلفا تماما عن سابقه، لكن التوقعات العالية ما لبثت أن هوت أرضا حين اصطمدت بالواقع.
على مدار أسبوع كامل، منذ إطلاق المنصة الجديدة، شاهدت كامل المحتوى المقدم لجميع دروس الصف السادس بنسبة 100 %، وشاهدت أيضا عينة من دروس الصفوف الأساسية الأخرى. ويمكنني أن أقول بملء الفم ودون أي تجن إن المحتوى المقدم لا يصلح مطلقا لاعتماده بديلا عن التعليم المدرسي!
حتى أكون أكثر دقة في كلامي، علي أن أشير إلى أن هناك تفاوت في جودة المحتوى حتى ضمن دروس المادة الواحدة يعود لاختلاف أسلوب المدرس المقدّم أو بالأحرى «المحاضر»، وهو أمر يشكل بحد ذاته إرباكا للطالب خصوصا للصفوف الأساسية.
تحتوي المنصة على دروس لبعض المواد اجتهد مقدموها في الكتابة على اللوح الإكتروني مما يساعد الطلبة على الفهم والمتابعة، لكنها بقيت جامدة لا تخرج عن إطار التلقين، فلا هي اعتمدت على تمثيل المحتوى العلمي أدائيا وحركيا، ولا هي استفادت مما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا البسيطة.
على سبيل المثال، عندما يتابع الطالب درسا في العلوم، فإنه لن يكون هناك أي قيمة مضافة من أن يعرض اللوح الإلكتروني الرسمة الموجودة على الكتاب لتجربة شحن الأجسام بالدلك أو التنافر والتجاذب بين الأجسام مختلفة الشحنات. الرسمة موجودة في الكتاب، وما يحتاجه الطالب هو أن يشاهد ما تتحدث عنه التجربة ممثلا أمامه إما باستخدام أدوات حقيقية بأيدي المعلم، أو حتى بمرافقة المعلم لطفل يؤدي التجربة أمام الكاميرا، أو باستخدام التقنيات المختلفة كالأنيميشن والرسوم ثلاثية الأبعاد وغيرها.
للأسف، فإن أي من هذه الأدوات التعليمية البسيطة غير مستخدمة نهائيا في محتوى المنصة. والمؤسف أكثر، أن فيديوهات غالبية الدروس هي عبارة عن تصوير لمدرس يجلس في استوديو خلف مكتب، مكتفا يديه أو ممسكا بكروت ملاحظات، لا يفعل شيئا سوى أنه يقرأ نص الدرس الموجود في الكتاب!
هذا المحتوى بالتحديد، ليس محتوى غير فعال فقط فيما أعد من أجله، وإنما هو كفيل بتنفير الطلبة وخلق حالة من الضجر لديهم تؤدي إلى إعراضهم عن مواصلة التعلم.
منذ يومين أعلنت الوزارة عن فتح باب التقدم للمعلمين للمشاركة في تقديم المحتوى المصور المبثوث عبر «درسك»، ما يعني أن المحتوى ما يزال قيد الإعداد وأن الفرصة ما زالت قائمة للتعديل والتطوير.
سنأخذ من ذلك ذريعة للأمل في أن يكون هناك تطوير فعلي على محتوى المنصة، فالمحتوى المتاح لا يمكن الاعتماد عليه بالمطلق، وهو بصورته الحالية لا يمكن أن ينتج عنه سوى مزيد من التحجر في عقول الطلبة، والتدهور في نتاجات العملية التعليمية.
الموضوع السابق
الموضوع التالي