23.1 C
عمّان
السبت, 6 يوليو 2024, 2:26
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

هل الركض يضر الركبتين أكثر من المشي؟

– ينتشر اعتقاد سائد لدى الناس بأنَّ الركض يدمر الركبتين ويترسخ في أذهان الكثيرين، ويعرف أي شخص يمارس الركض تمام المعرفة التحذيرات بأنَّ الركبتين ستهلكان من هذه الرياضة، سواء من أفراد العائلة أو الأصدقاء أو حتى الغرباء حسني النية الذين لا يركضون.

هل الركض ضار للركبتين فعلاً؟
أشارت دراسة جديدة إلى أن عملية الركض تساعد في تقوية الغضروف -النسيج المطاطي الذي يغلف نهايات العظام- وزيادة حجمه، وبالتالي فإن هذه النتائج تشير إلى أنَّ الركض لا يؤذي الركبتين بل يقويهما ويساعد على منع التهاب المفاصل.

ما أسباب التخوف من الركض؟
إذا ما فكرنا بالطريقة نفسها التي يفكر فيها الناس فسنجد فعلاً أن قلقهم مبرر، إذ ينطوي الركض على ثني المفصل وارتداده كثيراً؛ مما قد يؤدي إلى تمزق الغضروف المُبطِّن داخل الركبة.

ويُعتقَد عموماً أنَّ الغضروف، الذي لا يحتوي على إمدادات دم خاصة به، تقِل قدرته على إصلاح نفسه عندما يتضرر أو يتغير كثيراً بعد الطفولة.

لذلك، من المتصور أن يؤدي الجري المتكرر إلى تآكل الغضروف الهش، ومن ثم يُفترَض افتراضاً شبه حتمي أن ذلك سيؤدي إلى التهاب مفاصل الركبة.

لكن في الواقع، لا يحدث ذلك. وصحيح أنَّ بعض العدّائين يصابون بالتهاب المفاصل، لكن ليس جميعهم. وبالنظر إلى العدّائين كمجموعة واحدة، نجد إحصائياً أنهم أقل عرضة للإصابة بالتهاب المفاصل مقارنة بمن لا يمارسون هذه الرياضة.

القوى التراكمية التي تمر عبر الركبتين متساوية في المشي والركض
في دراسة أجراها روس ميللر، الأستاذ المشارك في علم الحركة بجامعة ميريلاند في كوليدج بارك، جعل فيها مجموعة من المتطوعين بالسير والركض على طول مضمار مُزوَّد بلوحات لقياس القوى المتولدة مع كل خطوة.

وأظهرت البيانات الناتجة وفق ما ذكرته صحيفة The New York Times الأمريكية أنَّ الأشخاص يرتطمون بالأرض بقوة أكبر أثناء الجري؛ وبالتالي يحدث ارتداد قوى في ركبهم مع كل خطوة.

لكنهم أيضاً أمضوا وقتاً أطول بين كل خطوة؛ مما يعني أنهم يخطون أثناء قطعهم نفس المسافة خطوات أقل مما لو قطعوها مشياً.

لذا، خلُص الباحثون إلى أنَّ القوى التراكمية التي تمر عبر ركبهم بمرور الوقت متساوية تقريباً، سواء كان الشخص يمشي أو يركض.

لكن مؤخراً، بدأ الدكتور ميللر يشك في ما إذا كانت هذه النتيجة قد أوضحت حقاً سبب عدم تضرر الركبتين من الركض.

وكان يعلم أنَّ بعض الدراسات الحديثة التي أُجرِيَت على الحيوانات أوضحت أنَّ الغضروف قد يكون أكثر مرونة على عكس ما اعتقده الباحثون سابقاً.

ووجدت تلك الدراسات أنَّ الحيوانات التي تركض أكثر ميلاً لامتلاك غضروف ركبة أسمَك وأصح من الأنسجة المماثلة من الحيوانات قليلة الحركة؛ مما يشير إلى أنَّ غضروف الحيوانات النشطة قد تغير استجابةً لجريها.

هل غضاريف المفاصل تتغير وتتكيف مع الحركة؟
لمعرفة ما إذا كان ذلك صحيحاً، طلب مرة أخرى من مجموعة من الشبان والشابات الأصحاء المشي والركض على طول مضمار يحوي لوحات لقياس القوة، بينما صوَّرهم هو وزملاؤه.

ثم شَرَع الباحثون في حساب القوى التي أحدثها المتطوعون أثناء التمشية والركض، ووضعوا نموذجاً لما قد تكون عليه ركب هؤلاء المتطوعين في المستقبل.

ولنكن أكثر دقة، استخدم ميللر وزملاؤه الأرقام التي ظهرت على ألواح قياس القوة، بالإضافة إلى بيانات إضافية شاملة من دراسات سابقة لعينة غضروف استُأصِلَت وضُرِبَت في المختبر حتى تفتتت، وكذلك مصادر أخرى لإنشاء نماذج محاكاة رقمية.

إذ أرادوا أن يروا، نظرياً، ما سيحدث لغضروف الركبة السليم إذا سار شخص بالغ لمسافة 6 كيلومترات كل يوم ولمدة سنوات، مقارنةً بما إذا ساروا لمسافة 3 كيلومترات وركضوا لمسافة 3 كيلومترات أخرى في كل يوم من نفس الفترة الزمنية.

واختبروا حالتين نظريتين إضافيتين، أولاهما، بَرمَج الباحثون احتمالية إصلاح غضروف الركبة لدى الإنسان نفسه قليلاً بعد تكرار التلف الطفيف الناجم عن المشي أو الجري، لكن دون أن يطرأ عليه تغيير آخر.

والثاني، افترضوا أنَّ الغضروف سيعيد تشكيل نفسه بنشاط ويتكيف مع متطلبات الحركة، ويصبح أسمَك وأقوى تماماً كما تفعل العضلات عندما نمارس الرياضة.

نتائج نهائية للنموذجين لافتة للنظر
فوفقاً لعمليات المحاكاة، واجه ممارسو المشي يومياً احتمالاً بنسبة 36% للإصابة بالتهاب المفاصل في سن 55 عاماً، إذا لم يتضمن النموذج إمكانية تكيف غضروف الركبة أو إصلاح نفسه.

وانخفض هذا الخطر إلى نحو 13% بالافترض أنَّ الغضروف قادر على إصلاح نفسه أو التكيف، وهو ما تتنبأ الدراسات بأنه معدل خطر الإصابة بالتهاب المفاصل في العالم الحقيقي لدى الأشخاص الأصحاء، وعلى الجانب الآخر، كانت أرقام الجري أكثر إثارة للقلق.

وعندما افترض نموذج المحاكاة أنَّ الغضروف لا يمكن أن يتغير، قُدِّر خطر إصابة العدّائين بالتهاب المفاصل في نهاية المطاف بنسبة هائلة تصل إلى 98%، وانخفض إلى 95% فقط في النموذج الذي أخذ في الاعتبار إمكانية إصلاح الغضروف نفسه.

وفي الواقع، وفقاً لهذا السيناريو، فإنَّ الضرر الذي يلحق بالغضروف من الركض المتكرر يطغى على أية قدرة للأنسجة على إصلاح نفسها.

لكن إذا تضمن النموذج احتمالية تكيُف الغضروف بنشاط -زيادة سمكه وحمايته للعظام- عندما يركض الناس، فإنَّ احتمالات إصابة العدائين بالتهاب المفاصل انخفضت إلى 13% تقريباً، وهو نفس الاحتمال بالنسبة للمشاة الأصحاء.

لذلك فإن ما تشير إليه هذه النتائج هو أنَّ الغضروف مرن وقادر على الشعور بالضغوط والأضرار الطفيفة من الجري وإعادة بناء نفسه ليصبح أقوى. ومن ثم، ووفقاً لهذا السيناريو، يسهم الجري في تعزيز صحة الغضروف.

Share and Enjoy !

Shares