22.1 C
عمّان
السبت, 6 يوليو 2024, 23:21
صحيفة الأمم اليومية الشاملة

الحكاية من النهاية الى البداية

المحامي عبد الكريم الكيلاني

من الوجع الذي يشبهك ، لا بد ان نسرد القصة ، بكل تفاصيلها النازفة و الباسمة كما قال ابن الفقيد   الذي رافق ابتسامتك حتى الساعة الاخيرة  .

امضيت ثلاثة ايام بلياليها  استرجع تسجيلات الراحل على ( يوتيوب ) اشاهد    واتمتم في داخلي بكلمات  للشاعر  محمود درويش وهو (يئن  )في قصيدته  ،لا وقت للغد ،    (امشي ، أهرول ، اركض ، اصعد ، اسير ، أطير ، اسمع ، اصرخ ، اسقط ، اعلو ، أدمى ، ويغمى علي)

هكذا كان حالي ….

حتى وقعت عيناي على مقال   الرثاء لابن بلدتك الغالية ، صبري الربيحات.

يقول صبري في   (جدل و غفران ،اسئلة عميقة عن الكون و الوجود و العمل و الحياة و العلاقات ) .

( سيرة يحي ….ليست حادثة عابرة…. فقد عاش حياة تتداخل أحداثها تتداخلا سرياليا ما كان ليفضي الا لما آلت اليه )

هكذا قال صبري ..

 نهاية سريالية اذا و حدث جلل فوق الواقع  !!!!

الموت  المباغت وحده سؤال كبير ، ولكن مقال الربيحات  يحرك مزيدا من  الأسئلة الساكنة ، وهو يختمه بما لا يعرفه كثير من الناس عنك :

( ان يحيى كان  على سرير الشفاء  يوم حضرت الملكة علياء الى مستشفى الطفيلة كان طفلا حينها ،  وقفت الملكة واطمأنت على  ذلك الطفل وآخرين فشكرها  والده ….ورحلت جلالتها في طريق العودة من الطفيلة… كما رحل يحيى )

اذا امام هذا الغياب  المليء بالرمز  هذا الغياب الذي اهتز وجدان القصر له ، … لا يمكن ان تختزل الحكاية بكلمة (أوجعت قلوبنا …)…ثم نقطة وسطر جديد !!!!!

الفقيد الأردني بِما له وما عليه ليس نجما يأفل،

فالحياة السياسية الاردنية حيوية  بطبيعتها ، ليست تمثيلية ولا مسرح دمى متحركة .

اختلفت ام اتفقت ، لكن مسيرة الفقيد  بحضوره و جمهوره  حتى بلغت شهرته الآفاق  لا يمكن ان تختزل  بالجدل  الدائر من يحل مكان المرشح المتوفى في القائمة ؟

ولذلك آلمني  و انا استمع الحديث المبكر  عن الوارث لمقعد الفقيد  هذا الكلام مصيبة  فوق الفقد .!!!!!!

بقيت اشاهد تسجيلات دون توقف  ، مواقف و خطابات ومشاجرات.

اصحاب دولة ، وزراء وسفراء ولائم ودعوات ، مواطنين غلابة، وجماهير حاشدة ، صحافة اعلام و إعلاميين ، عمل خيري ،رياضة شباب ، مواقف ترضي  البعض و تسخط آخرين .

 لكن لم استطع ان أصحو من هول الصدمة التي أمسى الاْردن   على دويها مساء الثالث من تشرين الثاني وها هو الاعلام يلوذ بصمت فجأة لولا مقابلة هنا او خبر هناك  .

كأنك عرفت ان الاعلام سيلوذ بصمت يوم رحيلك  فحشدت كل ما لديك من ذاكرة ، اذا اردتم يحي نجما افل، فلا اقل من مشاهد ة قصته في سنين مضت كما هو شان نجوم هذه  المجرة في ملكوت الله الواسع .

شاهدت  انفعالات لا تحصى ، وانت تثير العواصف امام اعتى الرجال بلا وجل ، فتصرع هذا و تغضب ذاك .

لكن اكثر ما شدني وقوفك عند رئاسة الوزراء ، تحتمل غضب  المرضى الحانقين على الحكومة لحرمانهم من  العلاج ، وجئت لتقول  كتاب علاجكم يتم توقيعه الان ، لم يقنعهم حضورك و لا كلامك استمروا بالسخط  فلم يسعك الا ان تقول (حقهم علينا ) و انسحبت بكل هدوء .

ذكرني هذا المشهد بالرئيس العراقي نوري السعيد يوم القت عليه امرأة غاضبة ما انتعلت فاخذ الحذاء وأعاده للسيدة و قال انت احوج اليه مني .

نوري السعيد كان رجلا سريع الغضب يرتجف امام غضبته أقوى رجال العراق كيف لا وهو رئيس وزرائها العتيد ، لكنه كان متسامحا مع الضعفاء .

يوم سئل الفقيد عن  حادثة  توقيفه الشهير قال :

( في هذه البلد لا تعرف متى ؟ ….و لا من ؟….. و لا لماذا صفعت،،،) مقابلة صحفية .

استغفر الله ،،، (لكل اجل كتاب ).

مشهد ابنك المصاب المفجوع ، يسنده  ابناء عمومته ، صورة لن تغيب  ، ولكن هكذا شاءت الاقدار في هذا الموقف الرهيب .

وبكلمات رثاء مبهمة اختار احدهم على طريقته ان يتكلم عن رفاق (ملم الغانمين)  :

( كنّا نسهر ليل الاثنين … وكان رجلا غريب الأطوار و الإيحاءات ، كأنه كان يقول شيئا لم نفهمه  الا حين فجعنا برحيله … قال لنا بحزن وتوتر انه غير مطمئن ..)

على كل حال الصور ليست سوى ظلال والكلمات البشرية لا تبوح الا بجزء يسير من حبر  القدر الذي لا ينفد مداده .

الكل يجمع عليك ، انك كنت تختار خصومك ، فلا تدوس البسطاء و لا تهادن الجبابرة و الأقوياء .

و قد يخطئ المرء في التقدير في واحدة من معاركه التي يخوضها فيدوس احد البسطاء  وهو  يظنه من الجبابرة الأقوياء .

كنت كثيرا ما تردد اتمنى الشهادة ، على اسوار القدس ، يومها  قال احد المذيعين مداعبًا ، اخي يحيى ان اردت الشهادة افعلها وحدك بالنسبة لي ( لسة بدري)

و  حصل  ما لم يكن بالحسبان وما لم يتوقعه ذلك الإعلامي ، و الحمد لله على كل حال فلا يحمد على مكروه سواه  .

قبل ايّام من وفاتك  نشر لي مقال في هذا الموقع عن عوالم الأردني الخفية و الأحدا ث التي لا تقبل التفسير المنطقي او العقلي ، في عالم السياسة و الاجتماع و الاقتصاد ، و لكنني غفلت عن اخطر العوالم  (عالم  البرزخ) .

والى ان تزول غيمة الانتخابات التي تشغل البعض ربما  ،ننتظر ان تنال مسيرة الفقيد حقها ، فقد كان له تاريخ مليء بمواقف ، و تحالفات ، وأدبيات ، و تكتيكات و انسحابات و مقاربات سياسية و محطات كثيرة لا بد من الوقوف  عليها مطولا .

اما بعد ،

فهل بحت بما في صدري او صدور بعضكم ، لست ادري ، لكن اليقين ان يحيى بات عند ربه الذي يعلم السر و اخفى.

والى عائلة الفقيد و ابنائه أغلى  ما ادخر في هذه الرحلة القصيرة ، العوض بسلامتكم .

Share and Enjoy !

Shares