أنهى سائق مجهول أحلام الشَّاب مالك محمد الشّديفات بالحياة والهندسة وهو في سنته الدِّراسية الأخيرة وقذف به بعد صدمه من فوق جسر خو شرق محافظة الزَّرقاء، وفرَّ من مكان الحادث، في ظاهرة يخالف عليها الدِّين والقانون والأخلاق.
قبل أيَّام غادر مالك ذو ال 24 ربيعًا مجمع الجنوب السَّاعة الرَّابعة بعد العصر، في رحلته الأسبوعية المستمرة منذ أربع سنوات في جامعة مؤتة دارسًا للهندسة، عائدًا إلى مدينة المنشية بمحافظة المفرق ويحمل كتبه وحاسوبه المحمول ومتنقلًا عبر وسائط النقل العامة، ومثل كل عائلة أردنية تعقَّب والده ووالدته وخمسة من إخوته شقيقهم البكر مالك باتصالاتهم مثل كل يوم من الجنوب حتى وصل جسر خو بمحافظة الزَّرقاء، وهناك اتصل الاتصال الأخير مع الده، حتى وجدوه يسبح في دمائه دون اسعاف من قاتله الذي فرَّ من مكان الحادث.
مالك دُهس منتصف ليل الخميس الماضي، فوق جسر خو وسقط من فتحة وسط الجسر على الشَّارع أسفل الجسر الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 4 أمتار سقوطًا حُرًّا بدون أيِّ حركة، وقاتله كان يقود مركبته على ما يبدو بسرعة جنونية، حيث كان طول ضربة “البريك” أكثر من 30 مترًا كما روى شهود عيان لوكالة الأنباء الأردنية (بترا).
موقع الحادث الذي رصدته (بِترا) والذي شهد ليلة مأساوية انعدمت فيها الإنسانية لدى سائق متهور لم يشعر بألم صدم انسان وقذفه من ارتفاع نحو 4 أمتار بعد يوم حافل من المعاناة من الجنوب إلى الشَّمال، وقع على جسر خو الرّابط بين محافظة الزرقاء والمفرق بالقرب من مركز دفاع مدني الجامعة الهاشمية على طريق دمشق الدَّولي، وما يُطمئن بأنَّ يد العدالة قريبة من الجاني، وجود عدَّة كاميرات سيطرة على الطريق أسفل الجسر وأعلاه وأبراج هواتف يسهل رصد المارين في تلك السَّاعة من الشَّارع الحيوي.
والتقت (بترا) والد مالك محمد عبد القادر المتقاعد من القوات المسلحة في منزله بمنطقة المنشية في محافظة المفرق، والذي يُسلِّم بقضاء الله وقدره بوفاة مالك الذي أنفق عليه من ضيق حتى وصل إلى سنته الأخيرة من دراسة الهندسة، ولكنه لا يُسلِّم بحق ابنه في الدنيا والآخرة والقصاص من قاتل لم يُراع ساعات الحظر الليلية وانعدام وجود المارة، وترك ابنه يتألم تحت الجسر حتى يصله المسعفون أو يجد من يبلِّغ عن الحادثة.
وأضاف أنَّ ابنه غادر الجنوب عصرًا، وظل يتواصل معه، ولم يستطع الذهاب لإحضاره من المجمع، بسبب عدم وجود تصريح يخوله التنقل مع بدايات الحظر الشَّامل، وحاول الاتصال للحصول على تصريح ولم يجد إجابة، ولصعوبة المواصلات يوم الخميس فقد بقي مالك يتنقل من الجنوب حتى جسر خو بطرق مختلفة سيرًا على الاقدام وسيارات ذات ملكية خاصة، إلى ان تعرض للدَّهس أعلى الجسر وسقط من فتحة بين الجسرين، على الشَّارع السفلي.
وأكد أنَّه وعند وصولهم الى المستشفى كان مالك في حالة صعبة جدًا متوقعًا أنَّ أمله في الحياة بسيط، وسأله في تلك اللحظة أحد أبنائه عن المتسبب؛ للذهاب واخراجه من التوقيف، راضين بقضاء الله وقدره، إلا أنَّ الإجابة جاءت بأنَّه فرَّ من المكان ولم يعد، لتطارده لعنة التسبب بقتل شاب وفرار من المكان وتركه يتألم منتصف الليل، ولينتظر أيضًا عقابًا دنيويًا قريبًا بسيف القانون، وعقابًا في الآخرة عند رب لا تضيع عنده الحقوق كما يقول أبو مالك.
النَّاطق باسم مديرية الأمن العام العقيد عامر السَّرطاوي قال لـ (بِترا) إنَّ أغلب حالات الفرار من مكان الحادث تمَّ الوصول إلى الجناة، واتخاذ الإجراءات القانونية بذلك، مشددًا على انَّ الفرار من مكان الحادث هو أحد الظروف القانونية المشدَّدة وأنَّ على الجميع أن يتبع الإجراءات اللازمة عند ارتكاب أيِّ حادث وأنَّ الأولوية تكون لإنقاذ حياة الضَّحية وعدم التسبب بموت إنسان.
وأضاف أنَّ جهاز الامن العام يمتلك من السيطرة والأساليب المهنية الاحترافية ما يمكنه من ضبط الفار من وجه العدالة بأقصى سرعة، وكل تأخير يكون هو فقط مسألة وقت وسيتم العثور على الفاعل خاصة في مثل هذه القضايا وأكثر.
وبين أنَّ شهر كانون الثاني شهد فرار سائقَين من مكان الحادث أحدهما تسبب بوفاة حدث والآخر تسبب بإصابة عامل وطن بعد دهسهما، وبعد فرارهما من المكان تم الوصول اليهما وضبطهما وتحولا إلى الجهات المختصة.
مفتى عام المفرق السَّابق الشَّيخ محمد سليمان السناسلة، قال إنَّ التسبب بموت إنسان والفرار من مكان الحادث، هو قتل للنفس، والعقاب يتضاعف على المتسبب نفسيًا ومعنويًا وماديًا في الدنيا والآخرة.
وأضاف أنَّ سيف القانون في الدنيا سيطاله، وسيلحق به عذاب نفسي طيلة حياته، وسيلتقي الخصمان يوم القيامة امام الله، فعلى من دهس شخصًا وتسبب بوفاته أن يلجأ إلى العُرف والقانون فيطهر نفسه في الدنيا قبل الآخرة.
وبين أنَّ ترك إنسان “مكسَّرًا ومفتتة عظام رأسه” في الشَّارع ومنتصف الليل أمر ليس من الدين والإنسانية في شيء، وأنَّ غالبية العائلات الأردنية تتمتع بإنسانية وخُلق راضية بالقضاء والقدر لكنها لا ترضى ولا تقبل بالقتل والهروب من مكان الحادث وانعدام الإنسانية.
من جهته، قال الخبير القانوني الدكتور سيف الجنيدي إنَّ المعالجة الجزائية لحوادث السّير تُناط بموجب القواعد العامّة للتّجريم حسب قانون العقوبات الأردنيّ رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته بوصفه النّظام الجزائيّ الأساسي، بالإضافة إلى القانون الخاص المُتمثّل بقانون السّير رقم 49 لسنة 2008.
وأضاف أنَّ تقرير المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان 16 الذي صدر مؤخراً أشار إلى وقوع 10857 حادث سير في العام 2019، ونجم عنها وفاة 643 شخصاً، وإصابة أكثر من 17 ألفا آخرين.
وأكد أنَّ هذه الأرقام الآخذة بالارتفاع سنةً تلو أخرى تدعو إلى ضرورة إجراء دراسة شموليّة ترتبط بالعناصر الأساسية الثلاثة وهي، مدى فعالية المنظومة القانونيّة في الحدّ من حوادث السّير من حيث شمولية صور التّجريم، وتحقيق الرّدع العام والخاص، وإجراء الدّراسات الفنيّة لطبيعة الطرقات في المملكة، وتحسين البيئة التحتيّة للطرقات، وبث الوعي الثقافيّ حول مخاطر المخالفات المروريّة، وهذا الأمر يتطّلب الشراكة الفاعلة بين الحكومة والتّنظيمات الاجتماعيّة.
وأكد أنَّ الأحكام التفصيليّة في قانون السّير تُعالج صور وأنماط السّلوك الجرميّ بصورةٍ مفصّلة تحقق التّناسب إلى حدٍ ما بين السلوك والنتيجة المتحققة إحقاقاً لمبدأ التفريد العقابيّ، لكن القصور التشريعيّ يكمن في إطار العقوبات المقرّرة للجرائم الأشد خطورة بموجب هذا القانون.
وبين أنَّ التّسبب بالوفاة النّاجم عن حادث سير يُعتبر أشد صور التّجريم بموجب قانون السّير رقم 49 لسنة 2008، حيث أقرّت المادة 27 منه حُكماً خاصّاً عن الأصل العام للتّسبب بالوفاة بموجب المادة 343 من قانون العقوبات والتي تعاقب على التسبب بالوفاة أو إحداث عاهة دائمة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بغرامة من ألف دينار إلى ألفي دينار، ويلحق بهذه العقوبة وقف العمل برخصة القيادة لمدة لا تقلّ عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين.
وأضاف أنَّ المشرّع توسع بموجب المادة 26 من قانون السير في إضفاء التجريم على الأفعال الجرميّة الملحقة بجريمة التسبب بالوفاة أو إحداث العاهة الدائمة ما لم تدخل في تشكيل السلوك الجرميّ لهذا الفعل وفق الاجتهادات الحديثة لمحكمة التمييز الأردنيّة، حيث أقرّ بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين في حال فرار السائق من مكان حادث ارتكبه تسبب بأضرار بشرية أو عدم تبليغــه أقرب مركز أمني أو دورية شرطة بالحادث المروري الذي ارتكبه.
ونوه إلى أنَّ المُشرّع قلّص مقدار العقوبة المُقرّرة للتّسبب بالوفاة النّاجم عن حادث سير عن الأصل العام الوارد في قانون العقوبات بموجب المادة 343 التي قُرّرت للتّسبب بالوفاة عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
وقال إنَّ ارتكاب جريمة الدهس والفرار من موقع الحادث بواسطة مركبة رسميّة أو أثناء تأدية واجب رسميّ من قبل الشَّخص لا يعتبر ظرفاً مشدّداً للعقوبة وإن اقترن بالفرار من مكان الحادث، وإنّما يترتّب على هذا الفعل نتائج قانونيّة وفق القواعد العامّة، وهي، الحُكم بالحدّ الأعلى للعقوبة في ضوء السلطة التقديرية للقاضي، وقيام المسؤولية التأديبيّة بموجب القواعد العامّة للمساءلة التأديبيّة وفق الأنظمة الداخلية للمؤسسات العامّة أو الحكوميّة.
واوصى تقرير حوادث السَّير الصَّادر عام 2019 عن مديرية الامن العام، بضرورة إعادة النَّظر بالعقوبات والإجراءات المتَّخذة بحق مرتكبي المخالفات الأكثر تسببًا في وقوع الحوادث المرورية لتحقيق الرَّدع العام والخاص، وتكثيف الرقابة المرورية بكافة أشكالها، خلال فترة ما بعد الظهر وحتى منتصف الليل.
وبين التقرير انَّ كل ساعتين واربعين دقيقة يقع حادث دهس في الأردن، ويتسبب حادث سير بوفاة كل 13 ساعة، ويعتبر الإنسان أكثر المتسببين بحوادث الطرق بنسبة وصلت الى 98 بالمئة، والطريق بنسبة أقل من واحد بالمئة، والمركبة بنسبة 1,2 بالمئة.
وأكدت أرقام التقرير أنَّ حوادث الصَّدم شكلت نحو 59 بالمئة وتسببت بـ 51 بالمئة من الوفيات، وحوادث الدهس نحو 34 بالمئة من مجموع حوادث السير في العام 2019، وتسببت ب، 32 بالمئة من وفيات حوادث السير لنفس العام.
وأشار التقرير إلى أنَّ فئة الشَّباب من 18 إلى 35 عامًا سجلت أكبر نسبة في عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير وبنسبة وصلت إلى 8ر35 من مجموع الوفيات الكلي.
وتشير أرقام تقرير حوادث السير للعام 2019، إلى إصابة نحو 11 ألف شخص بحوادث السير توفي منهم 643 شخصًا، وجُرح 17013 شخصًا، حيث يبلغ عدد السكان 10 ملايين و 500 ألف، والمركبات المسجلة مليون و677 ألفا و 61 مركبة.