إن القول بأن السلوك الناتج للمجرم للقيام بجريمته هو نابع من جين وراثي متناقل عبر اجداده هو قول خاطئ تماماً ولكن يشوبه بعض الصحة ، فلا يتوقع على سبيل المثال أن الفقراء على شكل اعم يغلب عليهم طابع الاجرام طبقاً للحاجة وأن اصحاب الطبقة البرجوازية هم نقاة المجتمع ، فليسَ هناك بين الطبقات أو الجنسين أية اختلافات في حجم المخ أو شكلها ولا يوجد أي ارتباط بين حجم المخ والانجاز الذهني وايضاً هناك خطأ مفاهيمي ، فالذكاء والبخل والاستقامة الأخلاقية ليست أشياء ولا النعوت الطبيعية للأشياء ، بل هي بنية ذهنية مشروطة بالتاريخ والثقافة ، فقد يكون هنالك جينات لشكل الرأس لكن لا يمكن أن تكون هناك جينات لشكل الافكار ، لذلك إن الاسباب التي تدفع الانسان للتوجه للقيام بجرم اخلاقي ومجتمعي في حق الاخرين نابع عن تداخلات الاحداث في حياته منذُ النشأة حتى تلك اللحظة ، كالقول كثرة الجوع قد تدفعه للسرقة ولكن قد يدخل عامل الوراثة في بعض الدوافع للأسباب التي تؤدي لمثل هذه الافعال فمثلاً قد يتوارث أحدهم سرعة الغضب الشديد مما يتولد عنه ارتكاب جرم كبير ، هذه الفرضية قد تندرج في اطار نظرية السبب والمسبب .
ولكن من ناحية التشكيل العصبي للإنسان فقد نجد بعض الاشخاص لديه متغير غير عادي لجين أوكسيداز أحادي الامين A، والذي يطلق عليه في بعض وسائل الإعلام “جين المحارب” لأنه مرتبط بسلوك غير اجتماعي بما في ذلك السلوك المتهور وهذا ما يرجح كفة العامل الوراثي .
وفي خلال العشر سنوات الماضية قد درس بول كاتلي وليسا كلايدون في الجامعة البريطانية 84 استئنافاً ضد إدانات صدرت عن محاكم في إنجلترا وويلز واحتوت على أدلة عصبية. ولخص الباحثان إلى أن 22 فقط من هذه الاستئنافات كانت ناجحة، على ما يبدو بسبب الأدلة العصبية. بينما لم يكن أكثر من ضعف هذه الاستئنافات (59) ناجحاً حتى مع وجود أدلة تسند إلى العلوم العصبية.
وبناء على ذلك أن السلوك الجرمي هو نابع عن عوامل خارجية مكتسبة ناتجة عن ردود فعل لعوامل قد حدثت بالفعل وقد يشوب بعض المجرمون جينات وراثية مكتسبة ولكن في حالات نادرة اذ أن هذه الجين في حال عدم وجود عوامل اخرى مكتسبة تساعد على نمو السلوك الجرمي فأنه غالبا ما يضمحل ولا يُحدث أي حافز لارتكاب أي جرم.