في العاشر من حزيران من كل عام و في هذا العام 2021 يحتفل الأردن الوطن الغالي بعيد الجيش و الثورة العربية الكبرى المجيدة، وهو اليوم الرسمي لقيام الثورة في مكة و جدة و الطائف في يوم واحد. وهما في واقع الحال صنوان بمعنى أن جيشنا العربي – الأردني الباسل رأس الأجهزة الأمنية ارتبط ميلاده بأعظم ثورة عربية عرفها التاريخ المعاصر، و هي عربية هاشمية خالصة قادها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله، و كان هدفها تحريري و وحدوي قصدت بناء دولة الأردن (الأمارة و المملكة)، و توحيد بلاد الشام، و بناء دولة العرب الواحدة بعلم واحد، و نقد واحد، و جوازات السفر الواحدة، و المصالح الاقتصادية الواحدة، و الجيش الواحد. (الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 1924. سليمان الموسى. ص 314 695 .
ولقد اسس جيشنا الأردني الذي اتسم بالعروبة والهاشمية في عهد الأمير الملك لاحقا عبد الله الأول بن الشريف حسين عام 1920 وتشكل من (قوة مسيرة) تم تشكيلها وسط الثورة كنواة للجيش ارتبطت بداية بالانتداب البريطاني وفقا لقرار عصبة الأمم، واستمر الجيش عربيا في عهد الملك طلال، و اتخذ الحسين مليكنا الراحل العظيم اكبر خطوة وطنية جريئة عرفها تاريخ الأردن العريق لصالح جيشنا العربي – القوات المسلحة الأردنية الباسلة عبر تعريب قيادة الجيش بتاريخ الأول من أذار عام 1956 بعد تخليصه من القيادة الإنجليزية ولتاريخ التواجد العسكرية الإنجليزي منذ عام 1921 وحتى تاريخ استقلال المملكة عام 1946، مع شمول التخلص من المعاهدة الأردنية البريطانية عام 1928 رغم دعمها المالي للأردن بطرد الجنرال جون كلوب باشا رئيس الأركان واثنين من مساعديه دبليو ام هاتون للميدان و باتريك كوجيك للاستخبارات وثمانية ضباط اخرين، و لمصطلح (الفيلق)، والقدوم بقيادة أردنية خالصة بقيادة اللواء راضي عناب ثم اللواء علي ابو نوار، وعقد اتفاقية دفاع مشتركة مع سوريا .
وبالمناسبة، فإن فكرة التعريب الهامة تلك راودت الحسين الراحل طيب الله ثراه على مقاعد الدراسة في كلية ساند هيرست العسكرية في لندن، واتخذ القرار الوطني الجريء وهو في عمر 21 عاما . وورد في خطاب جلالته آنذاك اية كريمة من سورة عمران (160) ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم “وجهها لجيشنا الباسل و لشعبنا الأردني العظيم كانت غاية في الأهمية، وهي الآية التي رددها جيشنا هذا العام 2021 عند استقباله لسيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني ” حفظه الله و رعاه ” عبر نداء ” هاشم 1 ” لجميع المحطات. كتب فريدون صاحب جم باللغة الفرنسية في كتابه عن الحسين (مهنتي كملك) ص 98 الذي ترجمه للعربية غازي غزيل، قول جلالته (لما كنت خادما للشعب، فقد كان علي أن أعطي الأردنيين مزيدا من المسؤوليات .. لا سيما في الجيش) .
وجيشنا العربي – القوات المسلحة الأردنية الباسلة محط اعتزاز الأردنيين والعرب، وخط الدفاع الأول عن الوطن على طول حدوده مع الضفة الغربية لفلسطين و(اسرائيل)، وهو سند قوي لكل العرب، و الحامي لوطننا و لهم من الإرهاب و المخدرات، و في حالات عدم الاستقرار. وهو معروف بشجاعته، وجنوده في رحى المعارك أسود حقيقيون، وقدم قافلة من الشهداء في مواقع الرجولة و الفداء على ارض الاردن الطاهرة وفي فلسطين الشقيقة و في غير مكان. ووفقا لأحكام المادة (32) من الدستور الأردني الصادر عام 1952 وتعديلاته، فإن الملك هو القائد الأعلى للقوات البرية و البحرية و الجوية، و نصت المادة (33) منه على أن الملك هو الذي يعلن الحرب و يعقد الصلح و يبرم المعاهدات والاتفاقات. والتاريخ المعاصر شاهد عيان على دور جيشنا العربي الأردني المصطفوي في معارك القدس و منها (اللطرون) و (باب الواد)، وعام 1948 رغم غياب التنسيق العربي و قتها، و قدم الشهداء على ارض فلسطين، وهو لا يتحمل خسران نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الأول ل 80% من فلسطين بعد التفاف الصهيونية و اسرائيل على عصبة الأمم المتحدة عام 1947 قبل ذلك بهدف احداث قسمة تضفي لدولة عبرية تقابلها دولة عربية، وهو ما رفضه العرب، وصنعت منه اسرائيل حجة للمضي في تحويل حصتهم القانونية الدولية الى مساحة جديدة للدولة العبرية نفسها تعج بالمستوطنات غير الشرعية، ومضت اسرائيل تسلك طريق القفز فوق القانون الدولي ومعها أمريكا و20% من دول غرب العالم .
وفي حرب عام 1967، وتحديدا يوم الخامس من حزيران، وهي التي سميت بالنكسة، كان قرار الحرب القومي فيها لمصر جمال عبد الناصر، واشتركت فيه سوريا حافظ الأسد، و عراق صدام حسين، و مقاومة ياسر عرفات، و تم زج الأردن فيها في اللحظات الأخيرة، وقاد معركتها من الجانب الأردني و قتها عبد المنعم رياض باسم القيادة العسكرية المصرية، وشكلت معاهدة الدفاع بين الأردن و مصر حجة لتشجيع الأردن لدخول معركة كان يتوقع لها الملك الحسين الراحل ووصفي التل رئيس الحكومة الخسارة و القلق على مصير القدس، خاصة و سلاح الجو العربي لم يمتلك جاهزية الحرب في زمن رفض القاهرة الاعتماد على معلومات لوجستية هامة ذات علاقة مباشرة بمسار المعركة و غطائها الجوي . دون جلالة الملك عبد الله الثاني في كتابه ” فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر . ص 41 (قرر الإسرائيليون أن يبادروا بضربة وقائية مدعين أن عبد الناصر كان عازما على شن هجوم الهجوم لكنهم في الواقع كانوا قد أعدو للحرب عدتها). وكتب وصفي التل في مؤلفه ” كتابات في القضايا العربية ” ص 37 (فليست فلسطين إذن، الهدف النهائي للصهيونية، و إنما هي رأس جسر لتوسعات أخرى، تقرر زمانها ومكانها عناصر القوة و الضعف في مفهومها الشامل سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و علميا و تنظيميا، معبأة في طاقة كلية تتصارع مع طاقة كلية مقابلة في كفتي ميزان، ترجح أحداهما على الأخرى)، وفي كتاب للدكتور سمير مطاوع (اوراق سياسية من زمن التيه و النكسات . ص 179 كتب يقول : (صدر أمر القتال للأردن بدخول الحرب من القيادة المشتركة في القاهرة في الوقت الذي كانت الجبهة المصرية قد بدأت بالانهيار، و سلاح الجو المصري الذي كان الاعتماد الأكبر عليه قد دمر تماما)، و كتبت نوزاد الساطي في كتابها (زيد بن شاكر من السلاح إلى الانفتاح) ص 207 ” هناك فريق معتبرا من السياسيين الأردنيين، حينها، في مقدمتهم وصفي التل، و قفوا بآرائهم ضد هذه الخطوات، لإدراكهم أن الهدف الإسرائيلي أو الهدية التي تنتظرها إسرائيل من الحرب هي الضفة الغربية، لاستكمال ” حلم صهيون ” على حد تعبير حسنين هيكل نفسه ” .
وبتاريخ 21 أذار 1968 تصدر جيشنا العربي – القوات المسلحة الأردنية الباسلة النصر الأكيد في معركة (الكرامة) الحقيقية البطولية، والخندق الواحد الأردني – الفلسطيني، وبإسناد من المقاومة الفلسطينية حينها، وقدم الجانبان قافلة جديدة من الشهداء بحجم 74 شهيدا عسكريا أردنيا، و101 شهيدا فدائيا فلسطينيا مثلوا (فتح)، و(قوات التحرير الشعبية)، وقاد المعركة مليكنا الراحل الحسين العظيم وقائده الميداني الفريق مشهور حديثة الجازي. واستهدفت اسرائيل وقتها الأردن والمقاومة الفلسطينية معا، وفشلت في غرورها وطموحها السرابي، وتحطمت احلام الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان بالوصول لمرتفعات السلط بينما كانت عينه على عمان في وقت طلبت فيه إسرائيل وقف إطلاق النار، وكانت المرة الأولى في تاريخ الحروب الإسرائيلية مع العرب. كتب اللواء محمود الناطور في كتابه (معركة الكرامة) ص 174 نقلا عن حديث عن مشهور الجازي نفسه: (ان حسن استخدام قواتي لأسلحتها وتمركزها الجيد باستخدام افضل الاساليب القتالية، وحسن التنسيق بين الاسلحة و التعاون التام مع القواعد الفدائية المتواجدة على كل المحاور، شكل كل ذلك قوة دفاعية متكاملة ضد العدو). ولو قبل الجازي بمهمة وصفي في احداث ايلول لاحقا بداية سبعينيات القرن الماضي لضبط أمن الأردن من الانفلات، ومن انقلاب حالة و معادلة الخندق الواحد بسبب الاختراق الخارجي لاستشهد مكانه، لكن الظرف دفع بوصفي للشهادة في القاهرة دفاعا عن وطنه الأردن و عن مليكه ونظام بلده الذي احب، وعن اهل فلسطين و قضيتهم العادلة ذات البعد القومي، والديني الإسلامي المسيحي بما تعلق بالقدس، وهو من كتب قائلا (ليست قضية فلسطين قضية شعب عربي اجتث من أرضه ووطنه فحسب, وإنما هي قضية الوجود و المصير العربي في غزوة من أفدح الغزوات التي تعرضت لها الأمة العربية في تاريخها الطويل – وصفي التل – كتابات في القضايا العربية. ص 36) .
ولقد شارك جيشنا العربي الأردني بحرب تشرين أكتوبر التحريرية لهضبة الجولان العربية عندما قرر الرئيسان حافظ الأسد وأنور السادات تحرير ما احتلته إسرائيل عام 1967، خاصة ما تعلق بالجولان و سيناء، و ساند اللواء المدرع 40 وقتها بقيادة اللواء خالد هجهوج المجالي المعركة، وقدم أحد عشر شهيدا عسكريا، و انتهت الحرب بعد ذلك وبعد معركة استنزاف عام 1974 بتحرير مدينة القنيطرة الجولانية، ولعب السلاح الصاروخي الباليستي الروسي دورا هاما في السيطرة على فضاء المعركة والتصدي لسلاح الجو الإسرائيلي حينها، و انطلق الأردن بعدها لتوقيع معاهدة سلام الند للند مع إسرائيل عام 1994، وفقا لمصالح الأردن العليا في الحدود و المياه، وفي الحلول النهائية للقضية الفلسطينية، و لمساعدة الجانب الفلسطيني الشقيق في الوصول إلى حل عادل لقضيته المركزية العادلة عبر مسار حل الدولتين لضمان بناء دولة فلسطينية كاملة السيادة تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وفقا لقرارات الشرعية الدولية التي ساهم الأردن في صناعتها مثل 242 الصادر عن مجلس الأمن عام 1967، والذي تبعه قرار مجلس الأمن 338 الصادر عام 1973 لتنفيذه عبر إعادة إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 .
وبالارتكاز على النجاحات العسكرية، والسياسية، والدبلوماسية الأردنية سابقة الذكر تمكن الأردن من التصدي للإرهاب الذي رافق موجة الربيع العربي، و لموجات تهريب المخدرات المستمرة حتى الساعة، ولمشروع إسرائيل عام 2019، الذي هدف لضم الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت لإجهاض حل الدولتين الذي ساندته دول العالم، وبإعادة إقليمي الباقورة والغمر ذات العام من أنياب إسرائيل ووفقا لمعاهدة السلام . و في الختام تستحق قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي كل الدعم على ابواب المئوية الثانية من منظومة الدول العربية الشقيقة، والأجنبية الصديقة خدمة للسلم العربي و العالمي الذي يشارك جيشنا المغوار به، وشخصيا تشرفت وباعتزاز كبير بتأدية واجب خدمة العلم الوطني 1984 1986 في مديرية التوجيه المعنوي، ولا زالت ذكراها العطرة و الجميلة و الطيبة راسخة في ذهني وتعيش إلى جانبي .