بعد عشرة سنوات من تقلده السلطة حزب العدالة والتنمية ينهار ورئيس الوزراء سعد الدين العثماني يخسر مقعده النيابي عن الرباط بينما يحصل الحزب على 12 مقعدا بعد ما كان في الانتخابات السابقة حصل على 125 من اصل 395 بينما يتقدم حزب الاحرار اللبيرالي القريب من القصر الملكي ويحصد 97 مقعدا بقيادة عزيز أخنوش بعدما استطاع من اعادة تأهيله الذاتي وكما يعود حزب الاصالة المعاصرة الحداثي الديموقراطي بقيادة عبدالعزيز وهبي بقفزة نوعية ويحصل على 82 مقعدا وكما يقدم حزب الاستقلال الوطني المحافظ خطوة للامام ويحصل على 78 مقعدا تلك هي النتائج التي جاءت بها الانتخابات المغربية بعد يوم اقتراع طويل جمع في يوم واحد الانتخابات الجهوية والمحلية مع الانتخابات النيابية تجاوزت نسبة المشاركة حاجز 50 %.
حالة التباين الداخلي بين اركان حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية وابتعاد جماعة الدعوة القريبة من الحزب في اسناده وقيام رئيس الحكومة العثماني بتوقيع للاتفاقية الاسرائيلية المغربية وشرعنة القنب الهندي هي من ابرز الاسباب التي يتم تداولها بين المتابعين للانتخابات المغربية هذا اضافة للتباين بين بن كيران زعيم الحزب ومع العثماني الرئيس الحالي ادى الى انهيار حزب العدالة والتنمية بصورة دراماتيكية تلك هي الصورة التي شكلت العنوان العريض للانتخابات المغربية والتي غالبا ما تعطي قراءتها مؤشرات للخارطة السياسية القادمة للمنطقة ومجتمعاتها.
هذه القراءة للمشهد الانتخابي المغربي جعلت من بعض المتابعين يؤكدون الى انحسار المد الاسلامي في الشمال الافريقي كان قد بدا بعد الاجواء المضطربة في المناخات التونسية وما رافقها من تداعيات هذا اضافة لمناخات الليبية وما رافقها من تداعيات والتي ادخلت التيارات الاقليمية على حساب المد الوطني هناك، وهذا ما جعل من مد الاسلام السياسي يتراجع الى درجة هذا الانهيار المفاجئ فى الانتخابات المغربية والذي كان قد فاجأ جميع المراقبين والمتابعين على حد سواء.
فان صحت تقديرات المتابعين في الشأن الانتخابي بتحليل المشهد السياسي فان المؤشرات تشير الى تغيير كبير طرأ على المزاج العام لدى المجتمعات العربية وان هنالك حالة جديدة قيد التشكيل تبدو منسجمة اكثر مع طبيعة المشهد البرغماتي الليبرالي وهذا ايضا ما قد يعود بالنفع والفائدة على الاداء والمنهجية في بيت القرار المغربي لتكون العلاقة بين السياسة والسياسات اكثر مواءمة في النسق وحسن التقدير وتتقلص المساحة بين التطلعات الشعبية والمقتضيات التقريرية.
اذن الانتخابات المغربية ترسل رسالة مضمونها التغيير فهل سيذهب هذا التغيير برسالته تجاه شرق الجغرافيا العربية ويحمل ما حصل في الشمال الافريقي انعكاسات في المشرق العربي وهو سؤال يبقى برسم الاجابة؟ أم ان الحالة الظرفية للتيار الاسلامي ذي المرجعية السلفية في المشرق العربي تختلف عن تلك المنهجية ذات الاصول الصوفية في المغرب العربي وكما وانها تختلف ايضا في نهجهها عن مرجعية ولاية الفقية فان تباينت اسقاطات التغيير بينهما ولم تحمل ذات المتغير فان التغيير يحمل مؤشرا باتجاه واحد قد يطال تركيا التي تحمل ذات المنهجية وذات المرجعية دونما الاخريات لكن ان حمل رسالة لجميع هذه التيارات فان رسالة التغيير قد وقعت وعلى الجميع التكيف واعادة التاهيل فان عصرا جديدا بدا بالتكون والتكوين.
لكن تبقى الانتخابات المغربية تحمل مدلول الدولة الملكية التي تحمل معاني الاستقرار المنبثق من المكانة التاريخية للنظام الملكي للدولة وكما للتعددية الحزبية وتبقى المغرب تحمل نكهة سياسية تعددية تميزها عن غيرها من المجتمعات لا سيما وان المجتمع المغربي يجمع المسلم مع اليهودي والعربي مع الامازيغي والساحلي مع الجبلي والصحراوي مع الحضري لكن في جملة سياسية تعزز الهوية الفرعية بقدر ما تؤطر التعددية الحزبية وتمكن اوتادها في هوية وطنية جامعة مزجها المجتمع المغربي فكانت للمغرب نموذجا وعلامة فارقة في الحياة العامة.